من أشهر العبارات في مسرحية المشاغبين ذلك السؤال الذي ألقاه بهجت الأباصيري «عادل إمام» على مرسي الزناتي «سعيد صالح»، الذي كان يلف ذراعه بالجبس بعد أن كسرتها المعلمة الحازمة «سهير البابلي»، حيث التفت الأباصيري إلى زميله لحظة غضب المعلمة وسأله: «هيه دراعك بتوجعك أوي يا مرسي؟!»، وقد وضعت مجلة كاريكاتير المصرية هذا السؤال الاحترازي الطريف على لسان الرئيس الإيراني رفسنجاني بعد حرب تحرير الكويت ليوجهه إلى صدام حسين الذي كان يطل من تحت الخرائب التي خلفتها الصواريخ الأميركية!

Ad

ولكن أميركا لم تكسر ذراع إيران منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا, ولا أظنها سوف تفعل ذلك في يوم من الأيام رغم كل هذا الصراخ المتبادل؛ ما يعني أن ذلك الكاريكاتير الطريف كان يعكس قراءة خاطئة للمستقبل ليس من قبل رسام الكاريكاتير وحده؛ بل من قبل الملايين الذين تخيلوا سيناريو مماثلاً في إيران، وقد كان بالإمكان إعادة رسم ذلك الكاريكاتير مرة أخرى الأسبوع الماضي بعد أن نجحت ثورة الياسمين في خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بحيث يطرح أحد الرؤساء العرب السؤال ذاته على الرئيس التونسي المخلوع: «هيه دراعك بتوجعك أوي يا بن علي؟».

ولكن يبدو أن حدس زميلنا في هذه الجريدة الدكتور غانم النجار هو الأقرب للواقع، حيث استبعد استنساخ الثورة التونسية في دول عربية أخرى؛ مشدداً على أن كل دولة لها ظروفها الخاصة, فقد اتضح أن المواطنين العرب الذين قاموا بإحراق أنفسهم على طريقة «البوعزيزي» لم يحركوا ساكناً، ولم تتجاوز قيمة حياة الواحد منهم في نظر مواطنيه ثمن عود الثقاب الذي استخدمه لحرق نفسه.

وإذا أردتم الحق فإن العرب أمة عجيبة, فما إن أحرق واحد منهم نفسه حتى حمل كل واحد منهم غالون كيروسين وعلبة كبريت وقرر أن يموت من أجل الحرية, وقد تجاهل هؤلاء أن «البوعزيزي» حين أحرق نفسه لم يكن يقصد إشعال ثورة الياسمين... وهنا يكمن الفرق, فالحرية لا يمكن افتعالها, والعقل والمنطق يفترضان أن التأثر بما حدث في تونس يجب أن يكون من خلال استنساخ إرادة الشارع وليس استنساخ الشرارة التي أيقضت إرادة الشارع, ففي الوقت الذي كانت فيه الأنظار منصبة على ما فعلته ثورة الجياع توقفت العقول عند البوعزيزي وهو يحترق، وكأن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا إذا مر بالسيناريو ذاته دون أي تعديل... فالعرب لا يريدون أي تغيير حتى خلال محاولة إحداث التغيير!

بالطبع الحكومات العربية لم تلق بالاً لهؤلاء المحترقين على خطى البوعزيزي, ولو كان لها أن تعبر عن ردة فعلها الحقيقية دون حرج دولي لوزعت عليهم علب الكبريت مجانا, أما رجال الدين فقد انشغلوا بإثبات أن البوعزيزي ليس شهيدا من أجل الحرية بل منتحر ستحرقه نار الآخرة مثلما أحرقته نار الدنيا! وليتهم بعد أن ينتهوا من تحريم حرائق «البوعزيزيين» أن يلتفتوا ولو مرة واحدة لتحريم أعمال من دفعوا «البوعزيزيين» لحرق أنفسهم.

مساكين هؤلاء «البوعزيزيين» الذين ذهبت حياتهم سدى, أشعر بتعاطف كبير معهم, فقد فهموا المسألة على نحو خاطئ، فالأمر لا يتعلق بـ»البوعزيزي»، بل في الشارع الذي كان يعيش أقصى درجات سخونته، وما إن وصلته نار البوعزيزي حتى بدأ بالغليان... فتبخر النظام الحديدي بسبب بائع خضار متجول.

* كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة