من الكون الصغير إلى الكون الكبير
لقد بات العالم يعيش عصر الإعلام، وثورة محركات البحث على الشبكة الإلكترونية، وعصر المواقع الإلكترونية التي تقدم المعلومة المتخصصة عن كل شيء، وكذلك القنوات الفضائية العالمية العابرة للقارات. هذا الواقع التقني المتطور، الذي يشار إليه بثورة المعلومات والاتصال، جعل من العالم قرية كونية، وأفاد في نقل وتداول المعلومة، أياً كان شكلها، بين ملايين البشر في مختلف أنحاء المعمورة. وجعل من الحدث العالمي العسكري والسياسي والاقتصادي والفكري والعلمي والرياضي والفني، مشتركاً بشرياً. وإذا كان هذا الواقع قد أفرز فوائد جمة، فهناك بالتأكيد مضار لابد من الوقوف عندها.
لقد أدى السلوك الذي ينادي به ويمارسه بعض غلاة المسلمين، في داخل العالم العربي وخارجه، إلى تكريس صورة سيئة ومشوهة عن الدين الإسلامي، إلى درجة أن شعوباً كثيرة صارت تقرن الإسلام بالإرهاب، وصارت تقرن صورة المسلم بالإرهابي. وهذا خلط مخل، يجب أن يتصدى له المسلمون بأساليب عصرية وإعلامية وفكرية مقنعة، تتوخى تبيان حقيقة الدين الإسلامي من جهة، وتحاول جاهدة نفي تهمة العنف والقتل والإرهاب عنه.في الأسبوع الماضي، وفي وصلٍ مع هذه الفكرة، سعدت بحضور الفيلم الوثائقي «من الكون الصغير إلى الكون الكبير»، الذي استضافته شاشة «المركز العلمي». مدة الفيلم خمسون دقيقة، وهو من إخراج السينمائي العربي الفاروق عبدالعزيز. الفيلم يقدم بشكل علمي/فني مدروس بعضاً من نضال العالم وطبيب الأمراض الباطنية الفرنسي الدكتور موريس بوكاي-Maurice Bucaille (1920-1998( في التوفيق الصريح والدقيق بين ما جاء في القرآن الكريم، دستور المسلمين، من آيات وسور، وبين أدق الحقائق العلمية التي توصل إليها العلم الحديث في مختلف بقاع الأرض. أهمية الفيلم تكمن في أنه أنتج بنسختين عربية وإنكليزية، وأنه ابتعد كلياً عن الطرح المباشر والترويج والدعاية للدين الإسلامي، وركز على تقديم مادة علمية محكمة الصياغة، تدلل وتظهر التطابق الكامل بين أدق ما توصل إليه العلم الحديث في علم تكوّن الأجنة وخلق الإنسان، وفي علم الفيزياء والنسبية، وبين ما نزل في القرآن من سور وآيات. وهو بذلك إنما يخاطب ويوجه نظر غير المسلمين إلى عظمة وأهمية القرآن الكريم، كتاب المسلمين، ويثبت لهم بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الكتاب جاء متطابقاً مع روح الحقائق العلمية الكونية، وهو بالتالي يستحق ألف قراءة علمية متروية وألف تفكر، بعيداً عن كل أشكال التعصب والإرهاب الأعمى.إن النقطة الأهم الثانية في الفيلم أنه يأتي من طبيب وعالم مسيحي فرنسي، ونعني به موريس بوكاي، وهذا يجعل الكثير من المهتمين حول العالم يُقبلون على الفيلم، ويتأملون مادته باحترام وعقلانية مجردتين، خلافاً لما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن الفيلم يقدم فكراً لرجل أو عالم عربي أو مسلم.إننا نعيش عصراً إعلامياً بامتياز، ولكي نستطيع أن نقول كلمتنا ويسمعها الآخر علينا أن نتعامل بوعي وتفاهم مع روح هذا العصر. ومن المؤكد أن الفيلمين الوثائقيين الرائعين (موريس والفرعون، ومن الكون الصغير إلى الكون الكبير) خطوة مهمة وموفقة في هذا الاتجاه.