إدماج المغرب

نشر في 01-02-2011 | 00:00
آخر تحديث 01-02-2011 | 00:00
 العربي جعايدي كانت ثورة الياسمين في تونس سبباً في تسليط الضوء على العواقب التي قد تتحملها الحكومات العربية المستبدة في المنطقة نتيجة للركود الاقتصادي والبطالة المتوطنة بين الشباب، وهناك عامل رئيس آخر أقل بروزاً يساهم في تفشي هذه العلة: عجز دول المغرب العربي- الجزائر، وليبيا، وموريتانيا، والمغرب، وتونس- عن زيادة حجم التعاون الاقتصادي فيما بينها.

والواقع أن تقديرات الاتحاد العربي تشير إلى أن الافتقار إلى التكامل الإقليمي يكلف كل من بلدان المغرب نقطتين مئويتين من نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي، في حين ترى اللجنة الاقتصادية الإفريقية أن إنشاء اتحاد مغاربي من شأنه يسمح لكل من البلدان الخمسة باكتساب 5% إضافية من الناتج المحلي الإجمالي. كما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن التكامل الأعمق، بما في ذلك تحرير الخدمات وإصلاح قواعد الاستثمار من شأنه أن يزيد من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الفترة 2005-2015 بنسبة 34% بالنسبة للجزائر، و27% بالنسبة للمغرب، و24% بالنسبة لتونس.

إن هذه البلدان لم يعد بوسعها أن تتحمل الانتظار، وإذا نجحت في الحفاظ على معدلات النمو التي سجلتها على مدى الأعوام الخمسة الماضية، فسوف يستغرق الأمر أكثر من عشرين عاماً قبل أن تتمكن من الوصول إلى نصيب الفرد الحالي في الدخل- أو أقل- في البلدين الأقل ثراء بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المكسيك وتركيا.

إن السوق المشتركة الديناميكية قادرة على خلق فرص الاستثمار للشركات في مختلف أنحاء المنطقة. ولكن نسبة التجارة بين بلدان المغرب اليوم لا تتجاوز 1.2% إلى 2% من مجموع تجارتها الأجنبية. والسؤال الرئيس هنا هو ما إذا كانت المشاكل البنيوية أو العوامل المؤسسية والسياسية هي التي تعمل على تعويق التجارة البينية في هذا الإقليم.

ومن الناحية الاقتصادية، نستطيع أن نفسر هذا المستوى الضئيل من التجارة بين بلدان المغرب بعوامل مثل صِغَر حجم السوق وتدني مستوى التكاملية التجارية، أو بعبارة أخرى الافتقار إلى التناغم والانسجام بين الصادرات والواردات. ويبدو أن إمكانات التجارة البينية في منطقة المغرب العربي مقيدة جزئياً بفعل تشابه الاقتصاد إلى حد كبير بين بعض البلدان، خصوصاً المغرب وتونس، فطبقاً لمؤشر فينجر-كرينين الذي يقيس أوجه التشابه التجارية، يتجاوز التشابه بين المنتجات التي يصدرها كل من البلدين إلى الاتحاد الأوروبي 70%.

وبوسع التكامل الإقليمي أن يسهم في زيادة النمو بطريقتين: أولا، من شأن التكامل بين بلدان المغرب العربي أن يعمل على خلق اقتصاد ضخم ودعم المنافسة، وإنشاء سوق لأكثر من 75 مليون مستهلك؛ أشبه في الحجم بالعديد من أكثر القوى التجارية نشاطاً في العالم، وضخم بالقدر الكافي لزيادة جاذبية المنطقة في أعين المستثمرين الأجانب. وثانيا، من شأن التكامل الإقليمي أن يقلل من تأثيرات «المحور والشعاع» بين الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي، وهي التأثيرات التي تنشأ عندما توقع دولة أو منطقة «محورية» ضخمة على اتفاقيات تجارية ثنائية مع العديد من البلدان الأصغر حجما.

إن عولمة الأسواق تعمل كأداة تنظيمية قوية للاقتصاد، ولكنها تؤدي أيضاً إلى زعزعة استقرار المناطق الأكثر ضعفاً في العالم، وإذا تزايد تفتت بلدان المغرب العربي إلى أن تتحول إلى كيانات تتبادل العداء وفرض تدابير الحماية، فإن النتيجة الوحيدة المحتملة تتلخص في نمو اقتصادي أبطأ من أن يلبي توقعات شعوب المنطقة، والتي ارتفعت بالفعل نتيجة للتباين المتزايد في مستويات المعيشة بين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه.

وفي مواجهة التحديات المتنامية التي تفرضها العولمة، فإن القوة الوحيدة المتينة بالقدر الكافي لتسخير الإمكانات الاقتصادية الهائلة لبلدان المغرب العربي تتلخص في الإرادة السياسية المشتركة. وخلافاً لذلك فقد تنتهي الحال بالمنطقة إلى التحول إلى حيز اقتصادي وسياسي يسهل اختراقه ويعصف به انعدام اليقين والاستقرار. وفي عالم غير مستقر، يتحول المغرب المتكامل إلى ضرورة وفرصة في آن.

ولكن يظل العديد من صناع القرار السياسي في المغرب العربي- وعامة الناس- مترددين فيما يتصل بالتكامل الإقليمي، لذا، فهناك حاجة ملحة إلى تأسيس مشروع سياسي قادر على أسر مخيلة شعوب المنطقة وقادتها.

ولا شيء قد يسلط الضوء على الفوائد المترتبة على التكامل الإقليمي بقدر عظيم من الوضوح مثل مشاريع البنية الأساسية الكبرى ذات الاهتمام المشترك والتي تحقق مصالح العديد من البلدان. فمشاريع النقل المشتركة، على سبيل المثال، من شأنها أن تخلف تأثيراً سياسياً قويا، وأن تقرب بين مواطني المغرب العربي على المستويين المادي والمعنوي.

ومن الممكن أيضاً تعزيز مشاريع الطاقة، وذلك نظراً للنمو السريع المتوقع في احتياجات الطاقة في البلدان الواقعة إلى الجنوب من البحر الأبيض المتوسط مقارنة بنظيراتها في أوروبا، ومن شأن هذه المشروعات أن تعزز من تكامل بلدان المغرب العربي إلى حد كبير إذا كانت مصحوبة بمشاريع صناعية قائمة على الغاز باعتباره مادة من الخام أو مورد للطاقة، وبالتعاون مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي. وينبغي للموارد الوفيرة التي تتمتع بها المنطقة من الغاز أن تستخدم أيضاً لتشغيل محطات تحلية المياه من أجل تلبية الاحتياجات الهائلة من المياه في بلدان المغرب العربي.

والواقع أن الانفجار السكاني في المنطقة، والتحضر السريع، فضلاً عن تسارع خطوات التنمية السياحية، كل ذلك يعني أن ندرة المياه بدأت تعمل بالفعل على إعاقة النمو. إن تنمية البنية الأساسية للمياه تشكل أهمية بالغة بالنسبة للمغرب العربي، لذا فإن كانت هناك قضية واحدة لابد أن توحد بلدان المنطقة، فهي قضية إدارة الموارد المائية وتخصيصها.

ولكن يتعين على بلدان المغرب العربي أولاً أن تحل الصراعات القائمة بينها، مثل النزاع الجزائري المغربي حول الصحراء الغربية، وهو النزاع الذي من شأنه أن يحول دون إنشاء المغرب العربي الموحد، وإن لم تحل هذه النزاعات فسوف يكون من الصعب للغاية ولو مجرد تمييز الخطوط العريضة لمستقبل مشترك، ومن دون المستقبل المشترك فمن غير المرجح أن يزول اليأس الاقتصادي الذي أدى إلى اندلاع الثورة في تونس.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس في المغرب.

«بروجيكت سنديكيت»، عالم أوروبا بالاتفاق مع «الجريدة»

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top