ضربت الأمسية التأبينية «غانم الصالح... كما عرفناه» أروع المثل والتقدير لسيرة هذا الفنان المبدع كنموذج يقتدى به.
احتضن مسرح الدسمة أمسية تأبين الفنان الراحل المبدع غانم الصالح، التي حضرها الكثير من محبيه وعشاقه وزملائه المخلصين، ورعاها الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي، وحضرت بالإنابة عنه مديرة إدارة المسرح كاملة العياد.بدأت الأمسية بمعرض الصور الفوتوغرافية الخاصة بالفنان الراحل، بينها صورته مع صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ ناصر المحمد، وصورة تجمعه بالفنانين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج والرائد المسرحي العربي زكي طليمات أيام تأسيس فرقة المسرح العربي، وصورة مع الشهيد الشيخ فهد الأحمد، وأخرى مع أمير البحرين الراحل، ومن أعماله المسرحية "عشت وشفت" و"بيت بوصالح" و"باي باي لندن"، ومسلسلاته "رقية وسبيكة". فيلم وثائقيأما الجزء الثاني من الأمسية فقد كان مع الفيلم الوثائقي عن مسيرة غانم الصالح، حيث انطلق الفيلم من موقع منزله وسيارته والولوج إلى البيت، والتوقف عند مكتبه الخاص الذي يحمل أرشيفه وصوره وعددا من الجوائز والدروع التكريمية التي حصل عليها طوال مشواره الفني، أضاء الشمعة ابنه بسام ليتنقل بين هذا الأرشيف الضخم لمسيرة عمرها 50 عاما من العطاء، وبلقطات متعددة لعدد من الأعمال الدرامية التي قدمها أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح التي جسدت هذه الرحلة الطويلة من الابداع الفني عبر شخصياته المختلفة الراسخة والخالدة في ذاكرة التاريخ الفني الكويتي، بعدها توقف نبضه عن الحياة تاركاً هذا الكنز الكبير، لتعبر الصورة عن وصول جثمانه إلى الكويت ثم الجمع الغفير الذي شهد انتقاله إلى مثواه الأخير في مقبرة الصليبيخات، وحمل الفيلم نبذة عن سيرة الراحل وقصيدة للشاعر الغنائي الكبير عبداللطيف البناي بصوت الفنان المبدع سليمان الياسين جاء فيها: "عمر النخل ماعطش / واليوم هو عطشان/ والورد كله ذبل من فارق الساقي/ غانم وغانم رحل عنا بلا استئذان/ ولما تروح الروح بالروح وش باقي/ راح الأبو والعم والفن والفنان/ وان كان باقي فن في عمره الباقي/ كل شي فراقه سهل إلا أعز انسان/ مثل اخونا اخو ماكو ولا نلاقي/ واللي يبي غانم هذا هو العنوان/ ساكن في دار الخلد دب الدهر باقي".وبعد انتهاء عرض الفيلم وهو من إخراج حنان المهدي وساعدها في الإخراج أحمد التمار، سلطت الأضواء على خشبة المسرح المزين بأزياء لعدد من الشخصيات التي جسدها الفنان الراحل في التلفزيون والمسرح، وهي "عيسى الدهان" في مسلسل "الأقدار"، و"نهاش فتى الجبل" في مسرحية "باي باي لندن"، وأحمد في مسرحية "بيت بوصالح"، و"المعلق الرياضي" في "الكرة مدورة"، و"كامل الأوصاف" في مسلسل "الغرباء"، و"ذياب" في مسلسل "رقية وسبيكة".كلمات ورثاءوفي الجزء الثالث من الأمسية، وهي ندوة "غانم الصالح... كما عرفناه"، صعدت خشبة المسرح مجموعة من زملائه وهم: الفنانة القديرة حياة الفهد والفنان الكبير محمد جابر والكاتب المسرحي محمد الرشود مع مسامع لشخصيات الراحل، والزميل محبوب العبدالله ونجل الراحل بسام، ثم كشف الغطاء عن لوحة "بورتريه" كبيرة للراحل رسمها الفنان أحمد مقيم.استهلت الرائدة المسرحية حياة الفهد الحديث عن الراحل، حيث قالت: "تمنيت ألا تأتي هذه اللحظة وأرثي الأخ والزميل والصديق الذي كانت صفاته الإنسانية تتخطى مواهبه الفنية وقدراته على أداء أدواره وتقمصه للشخصيات التي يجسدها سواء على المسرح أو في التلفزيون، كان ودوداً وحنوناً وإنساناً قبل أن يكون فناناً، كما أنه لم يبخل على من حوله بما يحتاج إليه من عون ونصيحة ورأي، وكان يضفي خلال وجوده مع جميع العاملين، معه سواء في كواليس المسرح أو في استوديو ومواقع التصوير، جواً أبوياً وعائلياً".وأضافت الفهد: "كان يتفقد ويسأل عن جميع العاملين من فنيين وفنانين وإداريين، وكان متعاوناً مع فريق العمل المشارك فيه إلى أبعد الحدود، وكان ملتزماً بمواعيد العمل، فهو أول الحاضرين وآخر المغادرين، أتمنى أن تكون سيرته الحياتية ومسيرته الفنية مثلاً وقدوة لجيل الشباب، لأنه كان نموذجاً نادراً بين فناني جيله من الرواد".وانتقل الحديث إلى مستشارة نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية نورية السداني، وهي أول مخرجة تلفزيونية كويتية، حيث استدعت ذاكرتها حول مسيرة صناعة الإعلام والفن في الكويت منذ تولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد حقيبة الإعلام إلى أن تسلم الراية من بعده الشيخ جابر العلي رحمه الله، وعرجت على الكثير من الأسماء الرائدة.واستذكرت السداني ذكرياتها مع الصالح ومكتبه في مبنى التلفزيون القديم بجانب البحر، حينما شغل منصب نائب رئيس قسم التمثيليات، وكان رئيس القسم الفنان القدير سعد الفرج.أما زميل الدرب وصديقه الفنان محمد جابر، الشهير بشخصية "العيدروسي"، فقد قال: "تاريخ غانم يشهد له، وأشكر كل الفنانين والفنانات الذين أشادوا به وبمواقفه"، مشيراً إلى أن الراحل كان حريصاً على أسرته ولا يريد لأبنائه أن يعانوا ما عاناه في حياته، وقد قال الصالح له في أواخر أيامه: "بسنا تمثيل نبي نقعد"، وكأنه يريد أن يرحل.وسلط الكاتب المسرحي محمد الرشود الضوء على الجانب العائلي للراحل، حيث كان الرشود ناظراً لمدرسة ابنيه صلاح وبسام، فلم تشغله التزاماته الفنية الكثيرة عن الوجود في المدرسة، والسؤال عن مستوى ابنيه في الدراسة.وأشار الرشود إلى كلام الراحل عندما تسلم دور داود حسين في "الكرة مدورة"، بعد أن اعتذر الأخير قبل العرض بعشرة أيام، إذ قال: "لا يوجد دور يتم تفصيله على ممثل، فالفنان الذي يعتمد على دور يرسم له ضعيف".وطالب الرشود المسؤولين بإطلاق اسم غانم الصالح على شارع أو مدرسة، ليكتمل التكريم، ولأنه يستحق ذلك. وكانت كلمات نجله بسام غانم الصالح معبرة جداً، حيث أطلق على والده "حنون وبيتوتي وديمقراطي وعطوف".ثم كشفت الفنانة حياة الفهد أن الراحل كافل للأيتام، حتى أسرته لم تعلم ذلك إلا منذ فترة قصيرة.وشارك الفنان طارق العلي بكلمة أكد فيها أنه تعلم الكثير على يد الصالح وحياة الفهد، خاصة كيفية الوقوف امام الكاميرا.وأخيراً كانت الكلمة لشقيق الراحل الفريق متقاعد مساعد الغوينم الذي قال: "لقد رحل أخي، وهو لا يحتاج منكم إلا الدعاء له بعد أن رحل من عالمنا إلى العالم الآخر".بعدها قدم الشاعر محمد قبازرد قصيدة رثاء بالفصحى رائعة اقتطفنا منها: "كغانم الصالح الراضي بما قسمت / قوس السقام له من مدنف النصل،... الصابر الشاكر المحمود سيرته/ على لسان العدا – سيان – والأهل، خطت له (لندن) تاريخ مولده/ واليوم (لندن) تمسي معرج الرجل، كذلك الموت ما يدريه غافله/ أ في ذكا أم سما يرديه أم زحل".ثم قال قبازرد: "وفت بالسبق أقرانا مشيت بهم/ مشي الهوينا وقد شدوا على مهل، حتى إذا استبأسوا من دركك انتهجوا التقليد/ كيما ينالوا النُجحَ بالحيل، وأنت تختطف الأضواء مرتسما / على شفاه البرايا بسمة الجذل، من كل دور بطولي سواك لو ابتغاه/ دورا... غدا سرجا على جمل".وبعده ألقى حافظ الرسن رثاء بالشعر النبطي، وأخيراً صعدت ممثلة راعي الأمسية كاملة العياد، والرئيس الفخري لمسرح الخليج العربي عبدالعزيز السريع، ومستشار مسرح الخليج الفنان منصور المنصور لتسليم الدرع التكريمية الخاصة بالراحل لابنه بسام.
توابل - مسك و عنبر
الفهد: غانم الصالح نموذج نادر بين فناني جيله من الرواد
30-11-2010