ما من شك أن عصر الشباب قد بدأ بفرض نفسه بقوة على سير الأحداث في العالم العربي بزخم منقطع النظير، وبتيار جارف بلغ قوته حد إزاحة الأنظمة السياسية مهما كان جبروتها وشراستها، ولعل التجارب في تونس ومصر وما يجري في ليبيا واليمن والبحرين وحديثاً سورية يثبت أن معالم النظام السياسي والاجتماعي في العالم العربي ستتبدل لا محالة.

Ad

وقلنا مراراً وتكراراً إن منطقة الخليج ليست بمنأى عن هذا التغيير الجذري، وسيزحف المد الشبابي نحو شواطئ مجلس التعاون عاجلاً أم آجلاً، فالمسألة مسألة وقت ليس إلا، وقد بدأ هذا الحراك وبقوة في مملكة البحرين, وعلى درجات أقل في سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

وقد تكون وسائل الإعلام العربية والعالمية منشغلة حالياً في أحداث اليمن وليبيا، وقد تفرض التطورات السريعة والملحة نفسها على أجندة الدول الكبرى ومجلس الأمن في الوقت الراهن، ولكن وبمجرد أن تنتهي فصول هذه الانتفاضات ستتجه الأنظار نحو الخليج، ولن تجد معها أساليب التعتيم الإعلامي والتهم المعلبة و»البلطجة» الرسمية؛ لأنها ستكون نكتة سمجة.

ولهذا كانت نصائحنا لقادة الخليج، إذا ما أرادوا المحافظة على الاستقرار، ومواكبة أمواج التغيير، وتطوير مؤسسات الحكم لاستيعاب كل ما هو جديد، واحتواء المد الشعبي، أن يمتصوا حماس الشباب ومطالبهم السياسية، وانتشارهم السريع والواسع قبل فوات الأوان، وحتى لا يفاجؤوا بالصدمة والدهشة وارتفاع سقف المطالب التي باتت سمة عصرية، ومعاييرها أصبحت نمطية ومقبولة على مستوى العالم.

ولكن يجب التنبيه والتحذير من أن تكون سياسة احتواء الشباب واستيعابهم والتناغم مع حجم طموحاتهم على درجة عالية من الشفافية والمصداقية والجدية، وليست مجرد شعارات أو إبر مخدرة أو شكليات للمجاملة والتوجيب فقط، فشباب اليوم أصبح على قدر كبير من الوعي والجرأة، وفي نفس الوقت على درجة مهمة من الحساسية والثقة بالذات، وسوف يستشعر مؤشرات التعامل معه إن كان جاداً ومسؤولاً، أو أنه مجرد تكتيك وتسويف!

وقد يكون الجوع والظلم هما عنوان الثورات العربية ذات الواقع الاقتصادي المؤلم، وقد تكون شرارة الانفجار في بعض الدول هي البحث عن لقمة العيش اليومي، وقد يقال إن الفقر ونقص الموارد الطبيعية هما عاملان مشجعان على الانتفاضة، ولكن مثل هذه التبريرات سرعان ما تصطدم بواقع واحد يشمل العديد من الدول بما في ذلك دول الخليج.

وقد بينت الثورة التونسية، ومن بعدها المصرية كيف أن رؤوس النظام في مثل هذه الدول الفقيرة نسبياً قد كنزوا المليارات من الدولارات لهم ولأبنائهم وزوجاتهم وأصهارهم، ثم مجموعة من المتزلفين لهم من أصحاب المصالح الذين حولوا مرافق الدولة ومواردها وخيراتها إلى جيوبهم الخاصة، فما بالك بدول تمتلك من الأموال والثروات التي لا يعلم مداها إلا الله؟!

ويتبقى هناك نوع آخر من الجوع يشمل عموم الشعوب العربية، ويتمثل في الإحساس بقيمتها الإنسانية وكرامتها، وحقها في المشاركة في اتخاذ القرار، واستشعارها بأنها من المقومات الأساسية في بلدانها بعد قرون من التهميش والإهمال، واعتبارها مجرد رعية يجب أن تسمع وتطيع، وهذا الشعور بدأ يسري في نفوس الشباب أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن يكون لها وقع خاص ومكان بارز وحقيقي في بناء المستقبل السياسي دونما تأخير أو تردد.

وقد خطت الحكومة بتجربة قد تكون مهمة وجديرة بالبحث في هذا الاتجاه، وتتمثل في تشكيل لجنة شبابية يستعين بها سمو رئيس مجلس الوزراء في استشراف المستقبل، وسنسلط الضوء على هذه المبادرة بشيء من التفصيل في المقال القادم بإذن الله.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة