بما أن مناهضة الطماطم لا يمكن أن تقود صاحبها إلى السجن أو كفّ يده عن الكتابة فقد قررت الاستجابة لدعوات زميلنا المكافح محمد الوشيحي التي أطلقها في «الجريدة» لمقاطعة الطماطم، ولكن المشكلة تكمن في معلوماتي المشوشة حول هذا الخصم الأحمر، حيث إنني لا أعرف سبب تطابق اسم الطماطم في اللغتين العربية والإنكليزية وبالتالي لا يمكنني التأكد من درجة ارتباطها بالمشروع التغريبي لإفساد الأمة!
وللتأكد من الهوية الحقيقية للطماطم اتصلت بالزميل الدكتور عثمان الصيني رئيس تحرير المجلة العربية الذي أحسبه، والله حسيبه، حجة في التراث واللغة، ولكنني تذكرت أن اتصالي يأتي في يوم تعيين أخينا وحبيبنا الزميل جاسر الجاسر رئيساً لتحرير صحيفة «الوطن» السعودية، والتي كان عثمان الصيني واحداً من أبرز رؤساء تحريرها، فخشيت أن يتغير سؤالي فيصبح: «لماذا يتغير رؤساء تحرير (الوطن) أكثر من تغير مدربي المنتخب السعودي؟» فأنهيت الاتصال بعد رنة واحدة!بعد دقيقة واحدة جاءني اتصال من الدكتور عثمان بدأه بالمثل الشعبي الذي لا يزيد عمره عن أربع سنوات: «أبو رنّة ما يدخل الجنة!»، وهو مثل جاء لارتباط اتصال الرنة الواحدة بالفتيات «النص كم»، ثم تحول إلى وسيلة للضغط على البخلاء الذين يسعون من خلال سياسة الرنّة الواحدة إلى تحميل قيمة المكالمة على فاتورة الطرف الآخر!سألت الدكتور الصيني عن أصل كلمة الطماطم فكانت إجابته محاضرة رائعة في اللغة والتراث العربي والفلوكلور الشعبي، ولم تخلُ هذه المحاضرة من الإشارات الطريفة التي كان القصد منها التشكيك في نوايا العبد الفقير إلى الله! ولكن المفاجأة- بالنسبة لي على الأقل- أن العرب خصوصاً في الجزيرة العربية لم يعرفوا الطماطم إلا قبل فترة وجيزة لا تزيد على مئتي عام، ولذلك لم يرد ذكرها في كل المراجع العربية التي جمعت أسماء النباتات والأطعمة والأدوية ومن أبرزها كتاب داود الأنطاكي «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب»! حيث لم يرد في المعاجم والمراجع سوى «الكهكب أو الكهكم» ضمن عشرة أسماء يقصد بها نبتة تشبهها! ويعتقد الدكتور الصيني أن الطماطم «الباذنجان الأحمر» لم تصل إلى جزيرة العرب إلا في عهد الأشراف ومن هنا جاء المثل الحجازي: «ما كل مدردم باذنجان»!ولأن الطماطم طارئة على بني يعرب فقد اختلفت أسماؤها في ديارهم، فمنهم من يسميها الطماطم (الاسم الإنكليزي المستمد من لغة الأزتيك)، أو البندورة (الاسم الإيطالي الذي يعني تفاح الذهب)، أو الباذنجان الأحمر (لانتمائها إلى فصيلة الباذنجانيات) أو المجنونة (لتقلب أسعارها) بينما يسميها المغاربة مطيشة (ربما بسبب طيشها!) وهناك من يسميها «قوطة»، وهو الاسم الذي بحثت عن جذوره فلم أجد إلا قولا غير مؤكد بأنه جاء مع الأتراك!ومن خلال عملية بحث خاطفة على شبكة الإنترنت اكتشفت أن الطماطم نبتة برية تم استئناسها في وقت متأخر في المكسيك (أي أنها كانت متوحشة!) ثم انتقلت إلى الفلبين ومنها إلى إيطاليا، فاستنتجت أنها الشيء الوحيد الذي جاء من القارة الأميركية إلى العالم القديم قبل رحلة كولومبوس الشهيرة، وفي القرن التاسع عشر انتقلت الطماطم من أوروبا إلى أميركا الشمالية، حيث تمت زراعتها في الولايات المتحدة فتخوف منها الأميركيون في البداية بسبب إشاعات ذكرت أنها نبتة سامة، ولكنهم بعد سنوات قليلة أقبلوا عليها بنهم شديد قبل أن يغرقوا العالم بصلصة الطماطم «الكاتشب»!وهنا يثبت بالدليل القاطع أن الطماطم بدعة مطبخية لابد من صدور فتوى بتحريم أكلها وليس مقاطعتها فحسب، فقد استنزفت أسعارها المرتفعة هذه الأيام جيوب الفقراء في سائر أنحاء الوطن العربي، حيث نشرت صحيفة «الراي» رسماً لفنان الكاريكاتير المصري عمرو سليم يظهر فيه أحد الأشخاص يواسي نائباً في مجلس الشعب بعد قذفه بالطماطم قائلاً: «ماتزعلش... إنت عارف كيلو الطماطم بقى بكام؟».* كاتب سعودي
مقالات
الطماطم ... بدعة!
05-10-2010