إدانة جريمة قتل المسيحيين في مصر تبدو عملا عاطفيا لا يقدم ولا يؤخر، فمن البديهي أن أي إنسان لديه مثقال ذرة من الضمير لا يمكن أن يقبل بهذه الجريمة النكراء ضد مصلين مسالمين لم يخطر ببالهم أن يغدر بهم مجموعة من الإرهابيين بهذه الطريقة المروعة، وهي لن تضيف شيئا للإدانة السابقة للجريمة التي ارتكبت في إحدى كنائس العراق.

Ad

نعم... الإدانة ليست ردة فعل تستحق الاهتمام، فأي مسلم حقيقي أو أي إنسان بغض النظر عن ديانته ليس أمامه سوى إدانة هذه المجزرة التي ارتكبتها مجموعة من المارقين تحت ستار الإسلام، وهو بإدانته هذه لا ينتصر للمسيحيين المغدورين، بل ينتصر لإنسانيته وللدين الإسلامي الذي تحاول بعض العصابات اختطاف بيرقه وخوض حروب عبثية باسمه سيكون أكبر المستفيدين منها أعداء الإسلام وأعداء الإنسانية.

من المهم أن يدرك العرب- والمسلمين بشكل عام– أن ما يحدث اليوم وما سيحدث غدا من جرائم ضد المسيحيين سيوفر الأجواء المناسبة لتسويق حقيقة سياسية جديدة، وهي أن الدولة العربية (أو الدولة ذات الأغلبية المسلمة) غير قادرة على حماية الأقليات الدينية والعرقية داخلها، وتفاقم أعمال العنف ضد الأقليات سوف يدعم هذه الحقيقة السياسية، ويقود إلى إجراءات دولية كبيرة قد تؤدي إلى تفكيك الدولة العربية لضمان حق الأقليات في العيش بسلام، وبعبارة أوضح نقول إن ما يحدث اليوم في السودان يمكن أن يحدث في مصر بعد عشر سنوات، ولكم أن تتخيلوا ما الذي يمكن يحدث للدول العربية والإسلامية الصغيرة إذا تعرضت واحدة من أكبر الدول العربية والإسلامية لمثل هذه الإجراءات الدولية القاسية لا قدر الله.

قبل أكثر من عشرين عاما تعامل العرب ببرود مع جرائم صدام حسين في كردستان العراق، بل إنهم في بعض الأحيان كانوا معجبين بصدام وهو يفتك بالأكراد (الانفصاليين)، واليوم لم يعد أحد يلوم الأكراد على نزعتهم الانفصالية الواضحة، بل إن العرب يحفظون الجميل للأكراد لأنهم لايزالون يعيشون تحت علم الدولة العراقية الواحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لجنوب السودان، حيث لم يعد مصطلح الانفصال مرعبا حتى بالنسبة للسودانيين أنفسهم، وأصبحت الأمنية القصوى هي أن يقبل السودانيون الجنوبيون بعلاقة مميزة مع سودانيي الشمال.

لن تفيدنا أبدا الإشارة إلى وجود أقليات دينية وعرقية مضطهدة في الهند وإيران والصين وروسيا دون أن تلوح في الأفق دعوات دولية لتفكيك هذه الدول، فالعالم العربي مستهدف على نحو خاص من قبل طرفين أساسيين: الأول هو تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يدرك زعماؤه أن تنظيمهم يكون في أقوى حالاته داخل الدول المفككة، والثاني هو الأطراف والقوى الدولية المعادية للعرب والمسلمين وفي طليعتها بالطبع إسرائيل، فهذه القوى لن تجد مساحة أفضل من الدول المفككة والمجتمعات المتناحرة للمضي بعيدا بمخططاتها الشريرة.

والشعوب العربية والإسلامية أمامها مسؤولية تاريخية تاريخية لتجاوز هذا الفخ الكبير الذي يكاد يطبق على دولنا واحدة بعد الأخرى، ومن المؤلم أن يكون في صفوف المسلمين من يجاهد لسحق الإسلام وينتحر من أجل انهيار أكبر الدول الإسلامية.

يجب أن نؤمن بأن الأقليات الدينية والقومية جزء لا يتجزأ من تكوين أي دولة في العالم، وأن قبول أي أمة بتمزيق أطرافها وتقطيع أوصالها سوف يفقدها القدرة على البقاء بين الأمم، صحيح أن الإنسان قد يبقى حياً إذا ما قطعت يده وساقه، ولكن ماذا يفعل برأسه السليم وهو غير قادر على الحركة؟!

* كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة