في كتابه (معنى الحياة)، ترجمة عادل نجيب بشري، يقول الفيلسوف النمساوي «Alfred Adler» ألفريد آدلر (1870-1937): «إن المعنى الحقيقي للحياة، معنى الحياة، هو في المساهمة التي تقوم بها لمصلحة حياة الآخرين، وهو أيضا في الاهتمام الحقيقي والخالص في التعاون معهم». ويبدو واضحاً أن فهم عالم النفس ألفريد آدلر الذي يُعد «واحداً من الثلاثة العظام، مع كل من سيجموند فرويد، وكارول جوستاف يونج» ينصب على أن الإنسان يشعر بإنسانيته، وبالتالي رضاه عن نفسه وسلامه الداخلي، كلما ساهم بتقديم عمل خيرٍ لمحيطه الإنساني والبيئي، وكلما أبدى تعاوناً مع الآخر، سواء في محيط الأسرة أو العمل أو المجتمع. ولكن، وفي مقابل ذلك يشير عالم اللسانيات الإيطالي، الأستاذ في جامعة روما «Raffaelle Simone» رافاييل سيمون في كتابه (المتوحش اللطيف)، كما تناوله «ريمي لوفيفر» في مجلة «لوموند ديبلوماتمك، في عددها رقم 4، لشهر أبريل الجاري» إلى أن الرأسمالية تستمد قوتها من قدرتها على قولبة حياة الأفراد، وخلق تبعات وحاجات جديدة. وهي ترتكز على ثقافة النرجسية، فبحسب سيمون «ان الشغف الذي تحركه وتثيره الحداثة بالدرجة الأولى، هو الأنانية أي التركيز على الذات». فكيف يمكن لإنسان القرن الواحد والعشرين، أن ينجو بنفسه ويجد معنى للحياة؟ هل عبر العمل للآخر ومع الآخر، أم باستشعار نشوة النرجسية الأنانية من خلال إرضاء الذات؟

Ad

إن الفاحص للحضارات الإنسانية يرى أن مشاريعها الكبيرة، الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية وحتى الإبداعية الفنية، هي في المحصلة، تأتي نتيجة مخاضات وجهود متكافلة ومتعاونة، جهود يساهم فيها الكبير والصغير، الآمر والمأمور، وان ما يُطلق عليه «فريق العمل» هو الوصفة الناجعة لضمان إنجاز ونجاح أي مشروع. لكن، ضمن فريق العمل الواحد، هناك جهد فردي لافت، يميّز كل شخص عن الآخر، ويدخل الرضا إلى قلب كل شخص مقابل قيامه بعمل مهم ونافع للآخرين، وبما يتناسب وعلمه ووعيه وقدرته على العطاء.

إن الإنسان يعيش لحظة حزنه القاتم، حين يشعر أنه منفي، وأنه كم مهمل لا فائدة منه. لحظتها يرى انعدام معنى حياته، وربما كان هذا واحداً من أخطر أمراض العصر، فكيف السبيل إلى إرضاء الذات وانتشالها من مستنقع الوحدة والكآبة، والانتقال بها إلى ساحة العمل والعطاء والتعاون مع الآخر؟

إن المنطلق الأساس لتقدير الذات هو ثقة الإنسان بنفسه، وأيمانه بأنه عنصر نافع لنفسه ومحيطه الأسري والاجتماعي، وأنه قادر على إضفاء معنى مختلف لحياته، متى ما عمل على تقديم خبرته وجهده لمجتمعه، متعاوناً مع الآخر. مع اليقين بأن الله قد خصّ كل إنسان بميزة قد لا تتوافر لسواه، وأن أي انجاز بشري كبير هو بحاجة ماسة لكل الجهود والخبرات الشخصية الخاصة والصغيرة، مهما صغرت، ومهما تناهت في الصغر.

إن العيش في مجتمعات استهلاكية لاهثة، يأخذ البعض إلى «التركيز على الحاضر»، وبالتالي الاندماج في عجلة الاستهلاك اليومية الطاحنة، والوقوع فريسة لأمراضها وهواجسها، مما يبعده عن النظر إلى معنى الحياة الأجمل، ويبعده من جهة ثانية عن التطلع إلى المستقبل، وكأن معايشة اللحظة الراهنة هو الحياة بأسرها! لكن، إذا ما نظرنا إلى الحياة بوصفها متعة عابرة، فربما أمتع ما في الحياة هو العمل، وأمتع ما في العمل هو العطاء، وأجمل ما في العطاء هو استحضار الآخر، ومدّ يد التعاون والعون إليه.