الإبراهيم: هناك حذر من الخوض في السياسات الاقتصادية والتمويل من مفهوم إسلامي

نشر في 17-12-2010 | 00:01
آخر تحديث 17-12-2010 | 00:01
خلال الجلسة الرئيسية لمؤتمر «اتجاهات» الرابع بكلية العلوم الإدارية
ألقى مستشار الديوان الأميري د. يوسف الإبراهيم كلمته في الجلسة الرئيسية لليوم الثاني بمؤتمر اتجاهات الرابع الذي تنظمه كلية العلوم الإدارية بقاعة المؤتمرات في الحرم الجامعي بالشويخ.

واصلت كلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت جلسات مؤتمر اتجاهات الرابع بعنوان الذي يحمل عنوان "الأزمة الاقتصادية بمنظور إسلامي"، ويقام بقاعة المؤتمرات في الشويخ تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ ناصر المحمد.

وحاضر مستشار الديوان الأميري د. يوسف الإبراهيم، في الجلسة الرئيسية للمؤتمر في يومه الثاني حيث ترأس الجلسة عميد كلية العلوم الاجتماعية د. راشد العجمي، وبدأ الإبراهيم كلمته بالقول إن هناك حذرا شديدا من الخوض في موضوع السياسات الاقتصادية والتمويل من مفهوم اسلامي، حيث إن هناك تداخلا وتقاطعا كبيرا بين الجانب النظري العلمي والجانب الديني في التحليل والقياس، مؤكدا قناعته بأنه ليس هناك اقتصاد ديني بمعناه الكامل، فليس هناك اقتصاد مسيحي أو بوذي وهكذا.

وأضاف الابراهيم أن هناك اجتهادات لمعاملات مالية وتجارية اسلامية متفقا على البعض منها، وهناك اختلاف حول البعض الآخر منها حسب الظروف المحيطة بها، لافتا إلى أن الخوف في المزيد حول ذلك الأمل قد يؤدي إلى سوء الفهم أو استنتاج مسبق من قبل بعض من يستمع للرأي فيها.

وقال: "قبل عام 2007 كان الجميع يتحدث عن الجانب المشرق في الاقتصاد العالمي، حيث شهد العالم أطول فترة رخاء اقتصادي عالمي في التاريخ أطلق عليها الاعتدال العظيم حيث امتد إلى معظم شعوب العالم، لافتا إلى ان البنك الدولي يشير إلى أن عدد البشر الذي تجاوز خط الفقر هو الأعلى في هذا القرن ناهيكم عن الارقام والمعدلات العالية في النمو الاقتصادي العالمي وحجم التبادل التجاري.

وأشار الابراهيم إلى أن الأزمة المالية أدت كما قال رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون إلى توقف النظام المالي العالمي أو كما وصف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش "wall Street got drunk"، ولكن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير حيث تعتبر هذه الأزمة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث للعالم من حيث الحجم ونطاق التأثير جغرافيا وسكانيا، حيث تراجع النمو الاقتصادي العالمي إلى أدنى مستوياته بل بالسالب لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وتراجع الناتج المحلي في العالم إلى النصف أي حوالي 30 تريليون دولار".

مؤشرات

وأردف: "هناك الكثير من المؤشرات والسمات التي تبين عمق تلك الأزمة ويمكن تحديد الاطار العام لأسباب حدوث أزمة عام 2008 في الافراط بالاقراض والاقتراض وتخفيض تكلفة المخاطر ما أدى بالمحصلة النهائية إلى تضخم اسعار وقيم الأصول والسلع والمواد الأولية وقد ساهمت التطورات في قطاع الاتصال والتكنولوجيا إلى امتداد وسرعة انتشار اثار هذه الازمة لمعظم بقاع العالم كما ساهمت التعديلات في القوانين والتشريعات على مستوى العالم والتي سميت بتحرير الاسواق ومنها التعديلات التي ادخلت على اندماج البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية الى تشابك مصالح المؤسسات المصرفية حيث لم تقتصر المصارف على دورها التقليدي في توفير الاقراض للمشاريع والشركات والافراد بل تعدت ذلك الدور لاستحداث خدمات مالية جديدة من صناديق وادوات استثمارية وخلقت اسواقا لتلك الادوات بالتمويل والاقراض.

السوق الثانوي

ولفت الابراهيم إلى ان خير مثال على ذلك ما يسمى بالسوق الثانوي العقاري، موضحا أن التطورات العلمية في النماذج الرياضية والحاسبات من جانب آخر ساهمت في تطوير نظم وعمليات ومشتقات ومنتجات مالية جديدة ومركبة وشديدة التعقيد لا يفقه في تفاصيلها إلا قلة قليلة اما الاغلبية فقد اخذوا بها كمسلمات وتعاملوا بأدواتها ومشتقاتها كأدوات استثمارية جديدة تحقق لهم عوائد مالية وصاحب ذلك ايضا ضعف الرقابة المالية سواء الرسمية او من قبل مؤسسات التقييم التي تضاربت مصالحها دون رقابة عليها، بالاضافة إلى ان انخفاض تكلفة التمويل نتيجة لانخفاض اسعار الفائدة وتدفق الاموال من الاسواق الناشئة التي حققت فوائض مالية سواء من مبيعات النفط والمواد الاولية أو من فوائض الميزان التجاري أدى إلى ارتفاع اسعار وقيم تلك الأصول.

واستطرد: "وكالعادة عند كل ازمة يتعرض لها الاقتصاد العالمي ترتفع الاصوات المعارضة لتعارض النظام الاقتصادي السائد مطالبة من خلال دعوات عاطفية بالتغيير او التبديل، ونلاحظ عبر التاريخ ان هناك دائما مطالبة لتغيير النظام الاقتصادي عند حدوث ازمة والسرعة في طرح البديل الذي دائما ما يكون على النقيض، فمثلما حدث بعد ازمة الكساد الكبير في نهاية العشرينيات تحول النظام الاقتصادي الى ما طرحه كينز بزيادة دور الدولة من خلال الانفاق العام لاصلاح الخلل الناجم عن نظام آلية السوق او ما يسمى باليد الخفية من قبل ادم سميث، حيث طرح كينز ان هناك ما يمسى النزعة الحيوانية "animal spirit" يمكن أن نطلق عليه عدم الرشد باتخاذ القرار المالي أو بالهوس عند الرواج والهلع عند الازمات التي تعيق استقرار نظام آلية السوق وتتطلب تدخل الحكومة لاعادة الاستقرار إلى هذا النظام.

الأزمة المالية

وتابع الإبراهيم: "هذا ما حدث مرة أخرى في الازمة المالية الحالية، حيث تعالت الاصوات لتدخل الحكومة من خلال برامج اتفاق كبيرة وشراء اصول والتدخل في ادارة مؤسسات عملاقة سواء مالية أو صناعية كما سارع السياسيون في اصدار أكبر تعديلات على التشريعات المنظمة للأسواق المادية تهدف إلى خلق الاستقرار المالي لحماية دافعي الضرائب من خلال المحاسبة والشفافية وإنهاء عمليات الانقاذ المالي وحماية المستهلك من التعاملات في الخدمات المالية الجائرة، وامتد هذا التيار المنادي إلى معظم دول العالم في سبيل وقف انهيار السوق المالي وسوق العمل إلى ان نشأت بسببها أزمة جديدة وهي ازمة الديون السيادية التي ظهرت خلال العام الحالي في دول الاتحاد الأوروبي أو ما سمي بدول "piGS" كما صاحب ذلك تحرك دولي ادى إلى اشراك مجموعة جديدة من الدول تحت مسمى G-20، كما تم اصدار تعليمات جديدة لحماية النظام المالي من الهزات المالية والاقتصادية تحت مسمى بازل 3 من خلال بنك التسويات الدولية.

وقال: اما على المستوى المحلي والاقليمي فقد ظهرت مع بداية الازمة المالية بعض الاصوات التي تفتقد النظام المالي التقليدي وتشيد بالمؤسسات المالية والاستثمارية الاسلامية إلى ان تعمقت جذور الازمة لنرى أن هذه الازمة لم تستثن أحدا الاسلامي أو التلقيدي وقد كان الفارق الرئيسي هو كما يجب أن يكون كفاءة الادارة ونظرة الحكومة السائدة فيها وتقييم المخاطرة، مضيفا "وقد ظهرت نتائج هذه الازمة على الاقتصاد المحلي بالانخفاض الكبير في اسعار النفط بحولي 70% من أعلى قيمته ليتحسن بعد ذلك ليصل في أحسن الاحوال إلى اكثر من 1/2 ما كان عليه "146$" مع تراجع كبير وسلبي في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بحوالي 4.5% بعد ان كان قد ارتفع بحوالي 6% في 2007.

وأشار الابراهيم إلى أن مؤشر سوق الكويت للاوراق المالية تراجع بحوالي 38% ورغم هذه التأثيرات تعد صغيرة نسبيا لما اصاب العديد من اقتصادات العالم، لافتا إلى ان السلطات المالية والنقدية قامت لمجابهة هذه الازمة بالعديد من الخطوات والاجراءات لمواجهة اثار الازمة على الاقتصاد المحلي تمثلت في بعض الاجراءات الرئيسية لحماية ومساندة النظام المصرفي وقد تمثل ذلك في صدور قانون بشأن ضمان الودائع في البنوك المحلية وتتبعها سلسلة من الاجراءات لتخفيض سعر الخصم من 5.75% إلى 2.5% في فبراير 2010، إضافة إلى زيادة حجم الودائع من المؤسسات الحكومية في البنوك المحلية وكذلك مجموعة من السياسات النقدية لرفع معدلات السيولة وتسهيل الائتمان المصرفي.

تعزيز الاستقرار

وذكر أنه "كما كانت هناك محاولة لاصدار قانون بشأن تعزيز الاستقرار المالي بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي وتقديم البدائل لمعالجة مشاكل شركات الاستثمار لم تسمح الضغوط المختلفة على هذا القانون له ان يرى النور وكان من ابرز التطورات التي حدثت بعد الأزمة صدور قانون هيئة سوق المال الذي باعتقادي إن بدأ العمل به فسيكون له انعكاس ايجابي على تحسين المناخ الاستثماري وتطوير المنظمة الرقابية على شركات الاستثمار وعلى سوق الاوراق المالية التي نتطلع من خلالها إلى تطوير التشريعات لأسواق جديدة للادوات المالية والائتمان Debt market"، مضيفا ان مواجهة اثار الازمة المالية العالمية يجب الا يهدف فقط إلى رفع قيم الاصول المالية والعقارية الى عهدها السابق، بل يجب أن يمثل لنا فرصة حقيقية لمواجهة الاختلالات الهيكلية المتزايدة التي تواجه اقتصادنا منذ اكثر من 50 عاما، فنحن في حالنا هذه دولة مالية عامة كما سماها الاستاذ جاس مالدون نتلقى الصدمات الايجابية أو السلبية خارج ارادتنا، فأزمتنا الحقيقية ليست الأزمة المالية العالمية بل هي الاختلالات الهيكلية التي نواجهها وعلاج تلك الاختلالات سيساهم في شفائنا من آثار هذه الازمة المالية العالمية وسيحصن اقتصادنا من ازمات مماثلة.

بوصلة الطريق

أعرب الابراهيم عن اعتقاده بأننا نحتاج إلى بوصلة لبدء طريق التغيير والتطوير لذا جاءت الرؤية الاستراتيجة للعام 2035 التي تم الاتفاق عليها كأحد الانجازات البارزة في هذه الفترة، كما جاء اقرار الخطة التنموية للفترة 2009/2014 الخطوة الأولى لترجمة الاهداف الاستراتيجة في الرؤية لواقع عملي في الاجل المتوسط واشتملت صياغة الرؤية على "تحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار ويقوم به القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي ويذكر فيه روح المنافسة ويرفع كفاءة الانتاج في ظل جهاز دولة مؤسسي داعم يرسخ القيم ويحافظ على الهوية الاجتماعية ويحقق التنمية البشرة والتنمية المتوازنة ويوفر بيئة اساسية ملائمة وتشريعات متطورة وبيئة اعمال مشجعة"، وتضمن 6 اهداف استراتيجة هي: "رفع الناتج المحلي وتنويع مصادره، والقطاع الخاص يقود الحياة الاقتصادية، وترشيح آليات ونظم داعمة وحافزة للقطاع الخاص، والتنمية البشرية وتوفير فرص العمل، توسيع مجالات وانشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، الادارة الحكومية الفعالة فضلا عن ترسيخ مقومات المجتمع الصالح".

back to top