لمهنة المطوع والمطوعة دور مهم في نشأة التعليم محلياً إلا أنها سريعاً ما اندثرت، وذلك بتأسيس "المدرسة المباركية" 1912م، إذ رحّب العديد حينئذ بفكرة التعليم النظامي، بينما رفضها آخرون بشدة.
"الجريدة" التقت الأديب عبدالله خلف للحديث عن تاريخ التعليم في الكويت.أشار عبدالله خلف إلى أن التعليم النظامي في الدول العربية بدأ متأخراً، ففي أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل العشرينيات بدأ التعليم شبه النظامي، فوجود "الكتاتيب" كان ضرورياً في ذلك الوقت من باب الحرص على تعليم القرآن الكريم وعلومه، فالدول التي استعمرت استعمار مباشر كالجزائر وتونس وليبيا حافظت بدورها على اللغة العربية والفضل في ذلك يعود إلى "الكتاتيب"، ومع هذا يميل الخلف إلى التسمية المتداولة في الكويت وفي دول المنطقة في شبه الجزيرة العربية ومنها المملكة العربية السعودية والخليج، فكلمة "المطوع" هي الأفضل إذا ما قورنت بـ"الكتّاب" فكلمة الكتّاب في القواميس تنسب إلى الطلبة ذاتهم فهم من تعلموا الكتابة وأصبحوا كتّاباً، مضيفاً أن هناك تأويلاً آخر بأن كلمة الكُتاب تطلق على المكان وهذا ضعيف في اللغة، فمن الأنسب أن تطلق كلمة الكُتاب على التلاميذ لا على المعلمين، فالمتعارف عليه محلياً وفي دول الخليج أن المعلم يطلق عليه "المطوع" و"المطوعة" وهذه التسمية أتت من الطوع والورع، وأيضاً هناك تأويل آخر بأن هذه الكلمة أتت من التطوع، فرجل الدين أو الخطيب سواء في الكويت أوالسعودية يسمى بالمطوع، إضافة إلى المدرس كما أسلف الخلف.تطور التعليموهناك أسماء معروفة لعوائل قاموا بمهنة التدريس قديماً إلا أنه من اللافت أن عدد المطوعات كان يفوق عدد المطاوعة بكثير في ذلك الحين، فالتدريس قديماً كان في تطور دائم وهذا بفضل اتساع دائرته الممتدة من المدرسين إلى أبنائهم وأشقائهم، فقد كانوا يحثون أقاربهم على مساعدتهم في هذه المهنة، وهذا ما حدث بالفعل في مدرسة الأنصاري والعثمان وحمادة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المدرسة الأنصارية كانت أول من أدخل الحساب في التعليم في وقت كانت فيه المدارس الأخرى تعتمد على تعليم القرآن الكريم فقط، إلا أنه مع الوقت تطور التعليم وبدأت المدارس في تعليم الحساب والجغرافيا، لكن هناك البعض من أهالي الطلبة كانوا يفضلون "المطوع" الذي لم يدخل التطور في عملية التعليم، ومثال على ذلك "الملا مرشد" الذي كان يعتمد على تعليم القرآن فقط، والسبب يعود إلى عزوف الأهل عن تعليم أبنائهم الحساب والجغرافيا، مشيراً إلى أن هذه المواد المستحدثة كانت بمنزلة بدعة رفضها العديد من الآباء في ذلك الحين وتقبلها القليل منهم، ومن المدارس التي اشتهر بها الحي الشرقي "مدرسة شملان الرومي"، وهي مدرسة خيرية كانت تهتم بالأيتام ومعفاة من الرسوم، و"الملا بلال" في حي الزهاميل، ومدرسة "الملا عبدالله القناعي" في الحي القبلي بالقرب من مسجد القناعي،و"مدرسة الملا حسين"، و"مدرسة محمد المسباح"، و"مدرسة الملا عبدالوهاب"، ومدرسة الملا علي "بالقرب من مقبرة هلال المطيري، وهنالك مدارس شبه نظامية خاصة مثل الجعفرية وقد تأسست في عام 1938، وسميت بالمدرسة الوطنية، أما منطقة المرقاب فقد اشتهرت "بمدرسة الملا إدريس"، و"الملا محمد المطر" و"الملا جاسم الخنيني"، و"مدرسة عثمان العثمان" وغيرها من المدارس.البعثة الفلسطينيةومن بين المطوعات ذكر الخلف المطوعة عائشة الأزميري وهي ابنة عمر عاصم الأزميري أول من استعين به في التدريس في الكويت، لحسن ترتيله وتجويده ولصوته الشجي إضافة إلى إتقانه الكتابة بخط حسن وجميل، وهي تعتبر أعلى المؤهلات المطلوبة في ذلك الوقت وتقلد حينئذ منصب مدير للمدرسة المباركية، جاء الأزميري من تركيا رغم صعوبة المعيشة في ذلك الحين، فالكهرباء لم تكن متوافرة فضلاً عن الماء، في حين كانت بلاده تزخر بكل ما أبدع الله سبحانه وتعالى في جمال الطبيعة، ليتركها ويأتي إلى بقعة صحراوية حارة تفتقر إلى أبسط وسائل العيش، ومن المطوعات اللائي كان لهن دور في نهضة التعليم محلياً "المطوعة حبيبة الزواوي" و"شريفة حسين العلي" و"موزة بنت حمادة" و"صالحة محمد الرامزي" وغيرهن، فقد كان لهؤلاء حظ كبير في ممارسة هذه المهنة بالتحديد.وعن تأسيس المدرسة المباركية أشار الخلف إلى أن "المباركية" قد تأسست في قلب العاصمة عام 1912، ومبناها يتكون من حوشين واحد للماء والآخر للخدمات الصحية إضافة إلى عدة فصول، استعانت المباركية حينئذ برموز المطاوعة الكويتيين للانضمام إلى هيئة تدريسية، لتأتي بعدها البعثات العربية ومنها البعثة الفلسطينية والبعثة المصرية، وبدأت هذه البعثات بتدريس خليط من المناهج القديمة لدى المطاوعة مع توسيع نطاق المعرفة من حساب وجغرافيا، إلى أن اعتمدت على المناهج الفلسطينية والعراقية ثم إلى المنهج المصري، فإلى جانب تطور التحصيل العلمي لدى الطلاب، كانت هناك مناسبات دينية ومهرجانات رياضية ونشاطات للكشفية وفرق مسرحية.التعليم النظامي- مع نشأة المدرسة المباركية كان هناك عزوف من قبل الأهالي من ارتياد أبنائهم للمدرسة لتمسكهم الشديد بالمطوع والمطوعة، إلا أنهم وبعد اندثار هذه المدارس، تقبل الأهالي طواعية فكرة التحاق أبنائهم بالمباركية.- كان هناك رفض شديد من تقبل التحاق الفتيات في المدارس النظامية، إلا أن الشيخ عبدالله الجابر -رحمه الله- كان دائماً يحث الآباء على تعليم بناتهم، فقد كان له الفضل الكبير في دخول الفتيات تلك المدارس.تأسيس المدرسة المباركيةفي سنة 1910، وذلك في عهد المرحوم الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع ازدادت الحركة التجارية، وخاصة بين الكويت والهند وأصبحت تجارة اللؤلؤ المصدر الأول لتجار الكويت.وأصبحت الحاجة ملحة إلى إيجاد المتعلمين والعارفين بأصول العمليات الحسابية، وخاصة ما يتعلق بتوزيع حصص العاملين في سفن الغوص، وما يترتب عليها طبقاً لأهمية كل عامل في هذه السفينة، وهناك توزيع للحصص متعارف عليه، نسبة لصاحب السفينة، وأخرى للنوخذا «الربان» وحصة ونصف للغيص وحصة واحدة للسيب، وهناك ما يسمى «العزال» الذي كان يغوص بمفرده وبمساعدة «السيب» الذي يعين من النوخذا الذي في السفينة، ويدفع العزال نسبة معينة، إذا حصل على عائد مالي من اللؤلؤ، للسفينة ومن عليها، وما يتبقى يكون لجيبه الخاص.وبمناسبة المولد النبوي الشريف الذي أقيم في ديوانية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، والذي حضره عدد كبير من أهالي الكويت البارزين تحدث العديد من الخطباء الذين أشادوا بهذه الذكرى العطرة، وما ترمي إليه هذه المناسبة الكريمة من حث المسلمين على الاقتداء برسولنا الكريم الذي يحث على طلب العلم، وفي نهاية الحفل وقف السيد ياسين الطبطبائي وألقى كلمة أشاد بها بفضل العلم والعلماء على البشرية جمعاء، وطالب جميع الموجودين بالعمل جاهدين على تطوير التعليم في هذا البلد، ونظرا إلى عدم وجود الإمكانات المادية للحكومة، فقد رأى الحاضرون أن يقوموا بجمع التبرعات من التجار ومن الأهالي فتبرع الشيخ يوسف بن عيسى بمبلغ 50 روبية، وتلتها التبرعات التي ستأتي، ومن الجدير بالذكر أن المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى لم تكن لديه الإمكانات المادية، كالتي كانت لدى التجار الآخرين الذين تبرعوا بمبالغ كبيرة، وفي ما يلي أسماء المتبرعين والمبلغ الذي تبرع به كل منهم:-إبراهيم جاسم المضف 500 روبيــــــــة - حمد خالد الخضير 5000 روبية- هلال المطيري 5000 روبية- شملان بن علي بن سيف 5000 روبية- الشيخ قاسم الإبراهيم 30000 روبية- الشيخ عبدالرحمن الإبراهيم 20000 روبيةوهذان الأخيران من آل الإبراهيم، وهما تاجران من العرب كانا موجودين في بومبي، كما جمعت تبرعات من باقي الأهالي قيمتها 12500 روبية ليصبح المجموع 78000 روبية. وبجانب هذا المبلغ الذي جمع من التبرعات وقدره «78000» ألف روبية تبرع المرحوم حمد خالد الخضير ببيت يملكه في قلب المدينة لبناء المدرسة عليه، وقد قام المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى بتحمل مسؤولية الإشراف على بناء المدرسة، إذ كلفت المدرسة ما يقارب 16000 (ستة عشر ألف) روبية.بداية تعليم اللغة الإنكليزيةفي عام 1911 في عهد المرحوم الشيخ مبارك الصباح وصلت إلى الكويت بعثة الإرسالية الأميركية الطبية، وكان من ضمن هذه البعثة رجل يدعى القس كالفرلي والدكتورة زوجته، وكان من المتخصصين في تدريس اللغة الإنكليزية، وقد استأجرت البعثة مكاناً خاصاً لتعليم اللغة الإنكليزية، وقد انضم إلى مساعده كالفرلي السيد جرجس عيسى، الذي قدم من الموصل لتعليم اللغة الإنكليزية إلا أنهما بقيا عدة شهور لم يتقدم إلى الدراسة خلالها في هذه المدرسة إلا قلة من الطلاب، الأمر الذي دعاهما إلى أن يقوما بجولات لبعض الدواوين لحث الناس على الاستفادة من اللغة الإنكليزية، خصوصاً أن الكويت بدأت في إنشاء علاقاتها التجارية مع الهند وبعض الدول الأوروبية. وبدأت فكرة تعلم اللغة الإنكليزية تلاقي ترحيباً عند بعض الشباب وحتى عند كبار السن الذين كانوا يؤمون المدرسة بعد أن ينتهوا من أعمالهم التجارية، لاسيما بعد أن أصبحت الدراسة صباحاً ومساء وبعد أن زاد عدد المهتمين بدراسة اللغة الإنكليزية، وفي عام 1925 انضم إلى مدرسة الإرسالية الأميركية السيد إسماعيل كدو الذي قدم من الموصل ولم يلبث إلا فترة بسيطة حتى افتتح في عام 1924م مدرسته الخاصة التي يعلم بها في المساء، أما في الصباح فإنه كان يعمل في القنصلية البريطانية. كيف يحصل الملا على أتعابه من التلاميذ؟هناك طرق عديدة لتحصيل الأجور، وكان معظمها يُدفع في المناسبات الدينية والأعياد، ولكل مناسبة نوع من الأجور، وأما الطرق فكانت كالآتي:1- الدخلة:يدفع ولي الأمر مبلغاً من المال كرسم دخول، ويعتمد المبلغ على إمكانية ولي الأمر المالية، فإذا كان ميسور الحال دفع في حدود روبيتين أو ثلاث روبيات أي ما يعادل 150 فلساً أو 250 فلساً، وإذا كان فقيراً دفع في حدود استطاعته.2- أجور الخميسية:يدفع الطالب مبلغاً من المال كل يوم خميس يذهب فيه إلى المدرسة، ويعتمد أيضاً على استطاعة ولي الأمر، ولكنها لا تتعدى نصف روبية أي ما يعادل 40 فلساً، أما الفقير فيدفع ربع روبية أي ما يعادل 20 فلساً.3- أجور النافلة:يدفع الطالب مبلغاً من المال، أو ما تيسر له، كالقليل من القمح أو الأرز أو التمر في المناسبات الدينية، كمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف وليلة النصف من شهر شعبان ورأس السنة الهجرية.4- أجور العيدية:يدفع الطالب مبلغاً من المال حسب استطاعة ولي أمره، وتكون إما قبل العيد أو بعده بأيام.5- أجور الفطرة:يدفع الطالب مبلغاً من المال يعادل ما قيمته ستة أرطال من القمح أو من الأرز أو من التمر، وإذا لم يتوفر المال دفع النسبة المحدودة من الأرطال، إما من القمح أو من الأرز أو من التمر، ويجب ألا يتأخر في دفعها عن الأيام الأخيرة من رمضان.6- الجزء:يحتوي القرآن الكريم على 30 جزءاً، إلا أن هناك شيئا متعارفا عليه، إذ تم اختيار 13 جزءاً من القرآن، وكلما اجتاز الطالب جزءاً من هذه الأجزاء دفع مبلغاً من المال لا يتجاوز 75 فلساً.7- الختمة:بعد أن يختم الطالب جميع أجزاء القرآن الكريم البالغة 30 جزءاً يدفع الطالب حسب حالة والده المالية، ما بين 20 روبية إلى 40 روبية، وفي حالة عدم استطاعة الطالب دفع مثل هذا المبلغ ينظم الطالب جولة لزيارة بعض البيوت الكويتية، وخاصة التجار منهم مرتدياً ملابس جديدة وبشتاً ويحمل سيفاً وبرفقة زملائه يطوفون على البيوت مرددين بعض الدعوات تسمى «التحميدة» إذ يبدأ قارئ التحميدة بقوله:الحمد لله الذي هدانا للعمل وحده واجتباناإلى آخر القصيدة ويردد زملاؤه بعد كل بيت من الشعر آمين آمين.وهناك بعض الموسرين الذين يتفقون مع الملا على أنه في نهاية تعلم الأبناء القرآن الكريم كله وختم أجزائه الثلاثين يدفعون مبلغاً من المال، وفي هذه الحالة لا يدفع ولي الأمر أي شيء من الأجور التي ذُكِرَت سابقاً في مختلف المناسبات.
توابل
التعليم قديماً... الآباء يتمسكون بـ «المطوّع» رغم افتتاح المدارس النظامية
13-08-2010