ثورة الشباب!

نشر في 22-03-2011
آخر تحديث 22-03-2011 | 00:00
 د. ساجد العبدلي من المفترض أن الأيام وبما تلبسه لكل واحد منا من أثواب النضج والخبرة ستكون قد علمتنا كيف نختار معاركنا، وكيف نزن نتائجها المتوقعة في ميزان الفائدة والقيمة التي يجب أن تتجاوز اللحظة الآنية، لنعرف بعدها إن كانت تستحق المواجهة أم لا!

كنت تحدثت عن هذا الأمر منذ سنوات، وأجد اليوم فائدة في تكرار الحديث عنه، خصوصاً أن هذه الفترة من الزمن، صارت تسمى فترة «ثورات الشباب»، وهي في الحقيقة كذلك، على كل صعيد، فالشباب قد صار ثائراً على كل شيء وفي كل شيء.

من الصفات الأكثر ملازمة بعمر الشباب، ذكوراً وإناثاً، وأوضحها قاطبة، صفة الحماس والاندفاع في كل شيء. في التصديق والإيمان وفي التكذيب والكفر، في الحب إلى حد العشق وفي الكره إلى حد المعاداة والمحاربة، في الإقبال إلى حد الالتصاق وفي الإدبار إلى حد الفرار.

لذلك ترى الشاب حين يؤمن بشيء، لا يكاد يرى غيره، وحين يحب أحداً يهيم به عشقاً، وحين يقبل على أمر لا يكاد ينصرف عنه، وفي هذه المرحلة لا يمكن التنبؤ بردة فعل الشاب، فمن الممكن أن ينفجر غضباً مجنوناً على لا شيء، أو أن يجهش بالبكاء بحرقة لأتفه الأسباب أو أن يصاب بالاكتئاب الأسود دون مبرر واضح، وهكذا دواليك!

ويُرجع العلماء هذا الأمر من الناحية الطبية إلى أن مرحلة الشباب تتسم بتدفق هرمونات البلوغ في جسد الإنسان، والتي بيّنت البحوث والدراسات أنها تنشط في خلايا المخ فتؤثر فيها بشكل مباشر، مما يؤدي إلى تلك التقلبات الحادة التي نراها على المزاج والمشاعر عند الشباب، وغالبا ما تنتهي هذه المرحلة بعدما يتجاوز الشاب سنوات المراهقة، إلا أنها قد تطول عن ذلك عند بعض الناس، فيبقى الواحد منهم على ذات الاندفاع المراهق والحماس المشتعل الذي كان يسيطر عليه في مرحلة بلوغه وسنوات مراهقته.

ووفقا لدرجة الحماس والاندفاع التي تستمر عند هؤلاء وانعكاساتها على حياتهم الاجتماعية وعلى خريطة تعاملهم مع الآخرين وعلى مقادير تطرفهم في معتقداتهم وأفكارهم، ينزع علماء النفس إلى تصنيفهم على درجات، أعلاها، وهنا المفاجأة، درجة تضعهم في دائرة المرضى الذين قد يحتاجون إلى العلا ج النفسي!

إن عدم قدرة الإنسان على ردع نفسه من الدخول في كل معركة تلوح أمامه، وعدم استطاعته كبح جماح نفسه عن الاعتقاد أن كل صيحة من حوله تعنيه هو شخصياً، ونزوعه إلى تحويل كل حوار أو مناقشة مع الآخرين إلى معركة خاصة به لابد من الانتصار فيها، قد يكون علامة من علامات هذا الاختلال النفسي، ودليلاً على عدم النضج العقلي وامتداد فترة المراهقة خارج عمرها الزمني المعتاد، أو بكلمات أخرى احتمال أن يكون هذا الإنسان لايزال واقعاً تحت سيطرة هرموناته التي تسيطر على خلايا مخه فتسيره ذات اليمين وذات الشمال، وتتلاعب به كما يتلاعب الهواء بريشة في المهب!

أدرك أنه ليس سهلاً على كل إنسان ألا يستسلم، ولو قليلاً، إلى ذلك الشعور الحار اللذيذ الذي يتوهج في صدره عندما تلوح له فرصة سانحة للانخراط في معركة يشعر أنها معركة سيسهل الفوز فيها وسيحقق من خلالها نصراً لفكرته ومعتقداته ولشخصه طبعاً، وإن كان غالبا سينكر هذا، لكن من المفترض أن الأيام وبما تلبسه لكل واحد منا من أثواب النضج والخبرة ستكون قد علمتنا كيف نختار معاركنا، وكيف نزن نتائجها المتوقعة في ميزان الفائدة والقيمة التي يجب أن تتجاوز اللحظة الآنية، لنعرف بعدها إن كانت تستحق المواجهة أم لا!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top