حتى لو أن ما أورده "ويكيليكس"، عن فكرة تدخل قوات عربية لإنقاذ بيروت الغربية من هجوم كان شنه حزب الله على هذه المنطقة ذات الطابع المذهبي المعين في مايو عام 2008، ليس دقيقاً ولا صحيحاً فإن هذه الفكرة قد تتجدد وتصبح ضرورية أكثر من المرة السابقة، عندما تُصدِر المحكمة الدولية قرارها الظني، أو اتهامها على الأصح، المتعلق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

Ad

فحزب الله كرر التهديد والوعيد أكثر من مرة بأنه إذا أصدرت المحكمة الدولية قرارها هذا، الذي بات صدوره قريباً، والذي غدا في حكم المؤكد أنه سيتضمن اتهاماً مع كل الحيثيات والأدلة بأن الذين ارتكبوا هذه الجريمة السياسية البشعة هم أعضاء في هذا الحزب، فإنه سيحرق الأخضر واليابس، وسيجعل لبنان يغرق في الدماء وسيجعل عاليه أسفله.

وبالطبع فإن المقصود بهذه التهديدات، التي ارتفعت وتيرتها مع اقتراب إصدار المحكمة الدولية قرارها الاتهامي، هو سنّة لبنان ومعهم أيضاً كل قوى تحالف الرابع عشر من آذار الذي يضم الاتجاهات المسيحية الرئيسية وبعض الرموز الشيعية المهدورة دماؤهم من قبل حزب الله الذي استبد بهذه الطائفة الشريفة وألحقها بالقوة وبالترهيب والترغيب بإيران كاتباع لـ"الولي الفقيه"، وذلك إلى حد أن المُلاحِظَ العادي إذا دخل ضاحية بيروت الجنوبية يظن أنه انتقل من شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية إلى إحدى ضواحي طهران في لحظة واحدة.

في مايو 2008 كان هدف الاجتياح العسكري، الذي قام به حزب الله لبيروت الغربية، هو فرض هيمنته على سنة لبنان، تمهيداً لفرض سيطرته الكاملة على الدولة اللبنانية كلها بمسيحييها ومسلميها ودروزها وما تبقى من طوائفها وأقلياتها العرقية، ولقد ترددت معلومات في اليوم نفسه، الذي كانت فيه ميليشيات هذا الحزب تتراكض في شوارع الأحياء السنية كالذئاب المسعورة، تتحدث عن أن هذه الميليشيات لديها أوامر تقضي بقتل سعد الحريري ووليد جنبلاط ودفنهما تمهيداً لدفن المحكمة الدولية.

لكن يبدو أن حلفاء حزب الله (الأقربين) أحسوا بضرورة تدارك الأمور قبل أن تستدرج عملية حزب الله هذه تدخلاً دولياً وعربياً ستكون عواقبه وخيمة، فحصل ما حصل وسحب حسن نصر الله ميليشيات حزبه من بيروت الغربية، والمؤسف أنه سحب معها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كما كان غالى كثيراً في تأييد المحكمة الدولية وفي العداء لسورية غالى أكثر في التنصل من هذه المحكمة ومن علاقته بالظاهرة الحريرية ومن الرابع عشر من آذار ومَنْ لفَّ لفها!!

والآن فإن الواضح أن هناك مذبحة يجري ترتيبها من قبل حزب الله فور إصدار المحكمة الدولية قرارها الاتهامي، وهذه المذبحة ستستهدف بالأساس الطائفة السنية، وهذا يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار منذ الآن، ويجب أن يدرك المعنيون بالأمر أنهم إن لم يتحركوا مبكراً ويُفهموا هذا الحزب وحلفاءه بأن أي مغامرة لهم ستكون مكلفة جداً وستكون عواقبها وخيمة، فإن حكم التاريخ على هؤلاء المعنيين سيكون قاسياً، وحكم التاريخ في مثل هذه الأمور لا يعرف المجاملات ولا يرحم.