وزير الأوقاف الأردني الأسبق د. أحمد هليل: التحاور مع الغرب لن يجدي مع ضعف المسلمين

نشر في 30-08-2010 | 00:01
آخر تحديث 30-08-2010 | 00:01
د. أحمد محمد هليل إمام الحضرة الهاشمية ووزير الأوقاف الأردني الأسبق يعد أحد أبرز المفكرين الإسلاميين في العالم العربي والإسلامي. له آراء فكرية ثاقبة ويرى أن دور المسجد يجب أن يتجسد في السعي الى تحقيق الأمن للفرد والمجتمع، ولا يعني ذلك أبداً حماية الإنسان من اعتداء الآخر عليه فقط، بل يشمل حمايته من كل ما يعرض حياته للخطر والهلاك، ففي عالمنا المعاصر تفاقمت مهددات الأمن المجتمعي، وهي محيطة بالمرء في مأكله ومشربه، وفي علاقته الشخصية وحتى في منامه.

"الجريدة" التقته في حوار أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة حيث رفض د.هليل ما تقوم به إسرائيل بين الحين والآخر من اعتداء على المقدسات وبيوت العبادة، موضحاً أن هذا الأمر يدعو الى الأسى والحزن، ومن ثم لابد أن يكون هناك تصور واضح، لما تكون عليه هذه المقدسات، فالإسلام يجعل لبيوت العبادة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية قدسية خاصة.

● من واقع خبرتكم في العمل الدعوي ما الدور الذي ينبغي أن يقوم به المسجد في هذه الآونة؟

- دور المسجد في الإسلام مهم للغاية، فالحياة الاجتماعية مليئة بالمتناقضات، وتدافع قوى الخير والشر، والإصلاح والإفساد، والبناء والهدم، والتنمية والتدمير، كل يحاول فرض وجوده، وتأكيد ذاتيته، ونشر قيمه، وفي خضم هذه التناقضات يأتي دور العلماء والأئمة وهو ضروري وحيوي للغاية، وشأن إهماله أو التقاعس عنه جد خطر على الفرد والمجتمع، فلا بد من أن يكون هناك من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فسينزل بالأمة سخط الله والغضب واللعنة، كما لعن بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم في قوله تعالي: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون» المائدة 78، وهذا الدور يحتاج إلى الحكمة والخبرة ولهما قواعد وأسس وشروط يجب التقيد بها حتى يؤتيا ثمارهما، وبالتالي فدور المسجد يجب أن يتجسد في السعي لتحقيق الأمن للفرد والمجتمع، ولا يعني ذلك أبدا حماية الإنسان من اعتداء الآخر عليه فقط، بل يشمل حمايته من كل ما يعرض حياته للخطر والهلاك، ففي عالمنا المعاصر تفاقمت مهددات الأمن المجتمعي، وهي محيطة بالمرء في مأكله ومشربه، وفي علاقته الشخصية وحتى في منامه، وهنا يجب أن ينشط الدعاة ليوفروا ضمانات الحماية من هذه المهددات المتمثلة في الخلاص من الأمية والجهل بكل صوره.

● كيف ترى تجربة الأذان الموحد الذي بدأت بعض البلدان الإسلامية في تطبيقه وسط جدل فقهي كبير؟

- الأذان عند جموع العلماء فرض كفاية، ومن ثم إذا قام به مسجد أو جهة واحدة  في البلدة أجزأ عن الجميع، وتحقق الحكم الشرعي في رفع الأذان، وهذا يؤكد لنا جواز إطلاق رفع الأذان من مسجد واحد مركزي حياً وعلى الهواء مباشرة من مؤذن بصوته وليس تسجيلا، وبالتالي إذا نقل هذا الأذان إلى سائر مساجد المنطقة واستقبلتها أجهزة الاستقبال الفنية، فإن هذا الأذان يعتبر أذانا للمنطقة كلها، وبخاصة أن اختيار مؤذن واحد أو اثنين أو ثلاثة يتناوبون على الأذان الموحد أمر يستحسن لاختيار أفضل الأصوات الندية والمقبولة والجذابة، وقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لأحد الصحابة: «إن هذا الأذان سهل سمح إذا كان صوتك سهلاً سمحاً فأذن وإلا فلا تؤذن»، هكذا يرفع توحيد الأذان الحرج عن المسلمين في المنطقة الواحدة من خلال تجنب تعدد رفع الأذان باختلاف دقائق بين كل مؤذن وآخر، وييسر هذا الأمر على المصلين أداء الصلاة في الوقت الشرعي، كما يساهم في التيسير على الصائمين في الإمساك والإفطار من خلال تحديد الوقت بدقة حتى لا يرتبك أو يشك أي مسلم إذا ما سمع أذاناً آخر.

● ماذا تقول لمن يقللون من أهمية دور القاضي الشرعي بحجة أن القوانين الوضعية هي الحاكمة؟

- القاضي الشرعي يلعب دورا ملموسا ومهماً للغاية، وسوف يستمر هذا الدور مع تغول العولمة التي تسعى وراء تنميط الثقافات وأمركتها، فإن العمائم البيضاء، التي يرتديها القضاة هي رمز لحالة النقاء والطهر والصفاء، التي يجب أن تحكم سلوكهم وتصرفاتهم ليس فقط في قاعة المحكمة، إنما في سائر شؤون الحياة والعلاقات الاجتماعية، وهذا بدوره يستوجب منهم ضرورة الفهم والتمهل في إصدار الأحكام واستكمال كل أبعادها وتفاصيلها المختلفة، وأن يجعل القاضي الله عز وجل رقيباً عليه في قيامه بعمله، والتحلي بأكبر قدر من المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية حماية لمكانة القاضي وسمعته وقيمته بين الناس، فلابد أن يدرك كل قاض شرعي مداخل التحايل والالتفاف، التي يسعى إليها بعض «مرضى النفوس» في التعامل مع القضاة، وافتعال الشبهات والشائعات حولهم تنفيذاً لمصالح هؤلاء الأشخاص.

● كيف يوثق هذا القاضي علاقته بالواقع حتى لا يقف جامداً أمام معطيات العصر المتغيرة؟

- لابد أن يسعى القاضي إلى تجديد نفسه بصورة دائمة من خلال كثرة المطالعة والحرص على القراءة، سواء ما تعلّق منها بالتشريعات والقوانين، التي تحكم عمله أو المعارف الفقهية والقضائية المتعددة والمتنوعة واحترام واعتبار آراء العلماء والفقهاء الأوائل والمعاصرين، فينبغي أن يستثمر القضاة الوسائل والأدوات التقنية الحديثة، التي تشكل رافدا جديدا وحيوياًَ في الثقافة والمعرفة في هذه الأيام.

● كيف ترى الهجوم البربري الذي تشنه إسرائيل بين حين وآخر على المقدسات الإسلامية في فلسطين؟

- ما تقوم به إسرائيل من اعتداء على المقدسات وبيوت العبادة، أمر يدعو الى الأسى والحزن، ومن ثم لابد أن يكون هناك تصور واضح لما تكون عليه هذه المقدسات، فالإسلام يجعل لبيوت العبادة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية قدسية خاصة، لا يجوز الاعتداء عليها بالتخريب أو التعرض لأهلها بالأذى حتى في حالة الحرب لا يجوز الاعتداء على راهب في صومعته ما دام يعبد الله، وأعتقد أنه في هذه الظروف الحالكة يجب أن يكون لدى أبناء الأمة الإسلامية وعي ويقظة بالنسبة لواقع المسلمين، وتبعا لهذا الوعي يزداد التعاون والتنسيق في المواقف، فالمسلمون اليوم في حاجة إلى المزيد من التوعية الإعلامية والوضوح في طرح الرؤى والأفكار حول القضية الأساسية «قضية الاحتلال» لبناء موقف عربي وإسلامي موحد يرفض التخاذل والاختلاف، ويؤكد وحدة الصف والتعاون بين المسلمين، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» المائدة 2.

● وماذا عن الجهود الأردنية لإنقاذ القدس من المستقبل الغامض الذي ينتظرها؟

- الدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين والحفاظ عليها واجب إسلامي عام، وليس مقصوراًعلى العرب فقط، لكنه واجب على كل المسلمين، ورغم ذلك تحرص المملكة الأردنية الهاشمية وبالتعاون مع جميع المؤسسات الإسلامية والمسيحية والسلطة الوطنية الفلسطينية، على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، التي مازالت وزارة الأوقاف الأردنية تشرف عليها، فضلاً عن أن الملك عبدالله الثاني يشدد دائما على إيلاء المقدسات في فلسطين أهمية بالغة، وربما يدلل على ذلك بناء مئذنة خامسة للمسجد الأقصى المبارك وصيانة الجدار الشرقي، واستمرار أعمال البنية التحتية في المسجد الأقصى المبارك، التي شملت أعمال الترميم والصيانة لقباب ومآذن وساحات المسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة، وكذلك المصلى المرواني، الذي طالما ادعت السلطات الإسرائيلية بأنه آيل للسقوط، حيث تم في هذا الإطار وصل أعمدة المصلى المرواني بعضها ببعض، بقضبان حديدية مقاومة للصدأ، وربطها مع الجدار الشرقي للمسجد، بحيث أصبحت تشكل جسماً واحداً لمزيد من العناية والاهتمام، كما تم كذلك صيانة الجدار الشرقي والجنوبي، بالإضافة إلى إعادة بناء وصنع منبر صلاح الدين الأيوبي.

● ثمة حملات إعلامية غربية لتشويه الإسلام وإلصاق التهم به منذ سنوات طويلة كيف السبيل لوقف هذه الحملات؟

- لكشف زيف كل ما تسعى وراءه هذه الهجمة الشرسة، لابد أن يجلس جميع العلماء والمؤسسات الإسلامية معاً للوقوف بشكل قاطع على الآليات السليمة لتوضيح صورة الإسلام، وليكن ذلك بأسلوب الاعتزاز وليس بأسلوب الاعتذار بأسلوب التوضيح والبيان وليس بأسلوب الخوف والانهزام، بأسلوب حقيقة وطبيعة هذا الدين، وبالتالي البداية يجب أن تكون من التقاء وحوار بين علماء المسلمين وبين المؤسسات المتخصصة للتعريف بهذا الدين، وبيان مفهوم الإرهاب والتطرف واستقراء التاريخ الإسلامي والقرآن الكريم والأحاديث النبوية، التي ترفض مبدأ الاعتداء على الآخر بغض النظر عن لونه أو دينه، فالإسلام كرَّم الإنسان كإنسان، وقال الله تعالى في كتابه العزيز «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» الإسراء 70، فالإنسان مكرم من الله تعالى في إنسانيته وبشريته وكرمه ربه أيضاً باستخلافه في الأرض وخلقه في أحسن تقويم لقوله تعالى «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» التين 4، هذا التكريم من الله معني به كل إنسان يستشعر لرقيه ووجوده.

● هل تعني أن الحل يكمن في حوار متكافئ بين أنصار الأديان من أبناء الشرق والغرب؟

- يقول تعالى في القرآن الكريم «وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» العنكبوت 46، أي يأمرنا الله تعالى أن نحاورهم وبالتي هي أحسن، فالصراع والعنف ليس من الإسلام بشيء، وبالتالي فمبدأ الحوار والجدال قائم، إلا أنه لكي يجدي وينتج آثاراً ملموسة يستوجب من المسلمين الحفاظ على أصالتهم وعقيدتهم، فلا يكون هناك أدنى تنازل، لأن الإسلام يكفل الاحترام والتقدير للآخر وعدم المساس بشرائعهم وقيمهم وأيضاً يجب علينا أن نحافظ على ثوابتنا ولا نذوب في حضارة غيرنا، فالإسلام دين ينفتح على الآخرين يأخذ ما عندهم من خير ويعطي الخير للبشرية جمعاء، وقارئ التاريخ الإسلامي يجد أن الإسلام أول من دعا إلى الحوار.

● كأنك ترى أن هذا الحوار لن يجدي ما دام المسلمون ضعفاء؟

- هذه حقيقة لا يمكن أن نقف عند مناقشة صحتها، لأن في ذلك غبنا كبيرا، فحوارنا مع الآخر لن يجدي ما ننتظره إلا إذا كنا على قدر المساواة معهم، وإلا لمَ يقبلون على التحاور معنا، وليس هناك سبيل للتقدم غير النهوض بالتعليم، فالتعليم قد رفع الأمة الإسلامية إلى مكان عليّ، والفضل في ذلك لكل مسلم سخيّ، بذل ماله «وقفاً» لكل أميّ، ليقرأ ويكتب ويتقدم على كل دعيّ، فالأوقاف التي وقفت على التعليم، بذرة خيرة في منبت خير، أثمرت علماً وتقدماً في التاريخ الإسلامي حتى أصبح المسلمون قادة الدنيا وعلماء الأرض وبقيت مدنية المسلمين تسطع على الغرب إلى يومنا هذا، ومن ثم فإن المدقق المحقق والدارس المتتبع ليدرك إدراكا تاماً أن هذه الأمة التي خصها الله بالخيرية إنما نهضت بالإسلام وبالتشرف بتطبيق أحكامه ومنها الوقف المندوب إليه شرعاً، وأن الوقوف التي وقفت على العلم والتعليم والعلماء والمدرسين أورثت عزاً للعلماء ومواقف مشرفة عنهم، كما عززت ودعمت التعليم والبحث العلمي، فساهمت بالنتيجة في النهضة الإسلامية، الرجوع إلى المنهل الصافي سوف يعكس ذات النتيجة، فحري بالباحثين عن عز هذه الأمة الضائع أن يدرسوا الأوقاف أحكاماً وتطبيقاً ثم يعملوا على تفعيلها.

● في رأيك ما السبيل المناسب لمواجهة تزايد نسب الفقر في البلاد الإسلامية؟

- الزكاة والوقف هما السبيل لمواجهة الفقر، فالزكاة في الإسلام أحد أركانه الخمس، وأنها حق ثابت في أموال الأغنياء يجب على الدولة جبايتها والإشراف على إنفاقها، وتوزيعها في مصارفها المحددة، وربما لن تؤدي هذه الأدوات الدور الملموس إلا بإقرار صفتي الإلزام والدوام فيها، لأن ذلك يجعل مسؤولية التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع المسلم الواحد لا تقتصر على مجرد التعاطف المعنوي فحسب، بل يتعدى الأمر إلى ترسيخ نظام التعاطف المادي الملزم والمستمر، وبالتالي توفير فرص العمل للقادرين عليه من شراء الآلات الصناعية لهم أو تقديم رأسمال لمن يحسن التجارة.

back to top