يتساءل اليوت ابرامز في «واشنطن بوست» معلقاً على ثورة الشباب في مصر: «... أي دروس يمكن أن تتعلمها الأنظمة العربية مما يحدث؟ هل ستبدأ تلك الأنظمة مشوار الإصلاح الثابت الذي يعني التغيير السلمي لهذه الأنظمة، أم أنهم سيصلون إلى قناعة بأن زين العابدين بن علي اخطأ حين لم يأمر بضرب المتظاهرين وينهي الثورة؟ وهل ستتعلم حكوماتنا أن الأنظمة الدكتاتورية لا يمكن أن تكون ثابتة؟! فهناك تحت السطح الهادئ لتلك الدول التي تجثم فوقه قوى الأمن غليان ينمو ويتصاعد وقد ينفجر في أي لحظة لأعمال عنف رهيبة متطرفة، وعندها ستوصد الأبواب عن أي نقاش عقلاني يحكم المنافسة السياسية».

Ad

صحيح ماذا ستختار الأنظمة العربية اليوم وغداً... فما يجري في مصر اليوم ستكون له نتائجه الخطيرة على هذه الأمة التي كانت ساكنة وصامتة صمت أهل الكهف ولم تعد كذلك... مشهد آلاف المتظاهرين وقد يرتفع العدد للملايين يتجمعون في القاهرة والإسكندرية ومعظم المناطق المصرية يرفعون شعاراً واحداً، يصرخون بنبرة واحدة تهز أركان الدولة بكلمة «كفاية» ليس بالمشهد العادي، فلأول مرة يرد الشعب العربي المصري لدول الغرب وللفقهاء المنظرين بأن للصمت نهاية ولصبرنا حدوداً، وإذا كنتم تقولون في الغرب إن شعوبنا هي آخر الشعوب التي تنتفض ضد الحكام وضد الإدارة الرديئة، فقد أخطأتم، وراهنتم على حصان خاسر. لأول مرة في تاريخنا الحديث ومنذ بداية عصر الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي شعوبنا هي التي تتحرك من ذاتها، تنتفض تنشد التغيير والتقدم والإصلاح... شبعت شعوبنا من أنظمة لا تتعدل ولا تتبدل، ولا تعرف قواميسها كلمات مثل «إصلاح وتغيير»! لأول مرة الشعوب هي التي تغير النظام بعد أن ذاقت مرارة الظلم، ولم تنتظر ضابطاً مغامراً فوق دبابة يستولي على الحكم ويصادر الدولة له لتصير مزرعة خاصة به وبجماعته... الشعب العربي اليوم لم يعد «مسطولاً» يهرول خلف لقمة العيش يوماً بعد يوم... اليوم يطالب بحقه بالوجود الإنساني وبالكرامة وبالديمقراطية التي عمت معظم مناطق العالم وتناست منطقتنا... فاليوم... في مصر حيث يقطن ثلث العرب، تبدأ موجة التغيير القادمة... مصر ليست مركز القومية العربية تاريخياً، لكنها مركز الثقل الثقافي والقوة للعرب، وما يحدث في مصر اليوم، سيمتد إلى شقيقاتها الصغيرات مهما حاولت أنظمتنا صد موجة التغيير فمصيرها الأكيد الفشل، فمصر ليست العراق، هنا الحديث يكون عن «الدولة» المتجانسة بتاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين، والبركان المصري مهما حاولت أنظمتنا كتم ذلك البركان بوعود الإصلاح وبالتغيرات الشكلية التي لا تقرب موضع الداء، والداء هو الاستبداد، والفقر، وهدر الكرامات وغياب العدالة الاجتماعية، فلن يجدي ذلك نفعاً.

الطوفان المصري قادم إلى المنطقة دون جدال، وليس على الأنظمة العربية سوى المبادرة بالإصلاح ببناء الدولة الدستورية الديمقراطية الحقيقية... لا وقت للانتظار... فكل لحظة تمر هي خسارة للنظام العربي المهترئ وكسب لروح الحرية والتقدم.