قصة ألف كادر... وكادر
بعد الأزمة المالية العالمية استوعب الغربيون الدرس، وأدركوا أنه ليس باستطاعتهم الاستمرار في سياسة الصرف المفتوح اعتمادا على القروض، فباتت الحكومات تقلص من حجم صرفها للأموال، وتزيد الضرائب في نفس الوقت حتى تقلل من حجم العجز في ميزانياتها العامة، وحتى الحزب الديمقراطي المسيطر على الرئاسة والكونغرس في أميركا، عاقبه الناخبون في الانتخابات الأخيرة على استمرار سياسة الصرف، فأتى بكونغرس جمهوري وباكتساح، بعدما ظن الكثيرون أنهم لن يعودوا إلى قوتهم بهذه السرعة.أغلب الدول باتت تدرك حجم المخاطر المتعلقة باستمرار زيادة الصرف الحكومي، لكن في الكويت القصة مختلفة لأن الصرف الحكومي يزداد يوما عن يوم وبوتيرة سريعة، ونسبة غير قليلة منه تتجه نحو زيادة الرواتب في القطاع الحكومي دون أي حاجة تذكر، وبشكل فوضوي لا ينم عن أي مسؤولية في التعامل مع ملف خطير بهذا الحجم.
بدأت القصة في سنة 2004 مع زيادات أساتذة الجامعة وبدعم من الوزير الشيخ أحمد الفهد، ومع أن الأساتذة يستحقون أن تكون لهم رواتب مميزة نظرا للشهادات العليا التي حصلوا عليها على الأقل، فإنه لم يكن من المقبول أن تتم زيادة رواتبهم دون عمل دراسة شاملة لكل قطاعات العمل في الدولة، ومنذ ذلك الحين فتح الباب لكل من هب ودب من تخصصات وقطاعات عمل للمطالبة بزيادات وكوادر متسلحين بـ»الواسطة» ووسائل الضغط المختلفة، فباتت الكوادر تنزل من السماء لمن لا يستحقون ويحرم من يستحق منها.لم تعد القصة مدى حاجة الناس إلى رواتب تكفل لهم العيش الكريم، بل باتت مسألة تحدٍّ بين التخصصات وقطاعات الدولة المختلفة، أي من يستحق راتبا وكادرا أكثر من الآخر، وهذه مسألة لن تنتهي وستستمر معها الإضرابات والاحتجاجات ومزايدات النواب أيضا، ولو تابعنا مسلسل الكوادر والزيادات منذ سبع سنوات إلى الآن لوجدنا أن الفروقات بين التخصصات عادت كما هي تقريبا، وكل ما اختلف أن قيمة الراتب ازدادت وازداد معها التضخم، والتي تؤدي في النهاية إلى ذهاب الزيادات إلى جيوب التجار في عملية نهب مستمرة للمال العام دون أن ينبس دعاة حمايته ببنت شفة! المشكلة أن الناس لا تريد أن تفهم أن زيادة الأسعار والتضخم هما مسألة طبيعية جدا وفوق رقابة وزارة التجارة وحماية المستهلك، لأن السوق في النهاية يحكمه العرض والطلب، وزيادة السيولة بيد الناس تؤدي وبشكل حتمي إلى زيادة الأسعار، والتجار يقومون بزيادة أسعار سلعهم لأنهم يدركون أن الناس ستشتري، ولتقريب الصورة بشكل أكبر، فلنفترض أن أقل راتب يستلمه أي كويتي هو 3 آلاف دينار شهريا، ففي هذه الحالة هل تعتقدون أن أسعار السيارات وغيرها من السلع ستظل كما هي أم أنها ستزداد لتناسب الحالة المادية للمجتمع؟والمصيبة العظمى أن الحكومة الضعيفة انصاعت لرغبات أصحاب المصالح بتبنيها الزيادات العشوائية للقطاع الحكومي في الوقت الذي تدعي أنها ستوجه الداخلين إلى سوق العمل إلى القطاع الخاص! فأي قطاع خاص سيكون قادرا على جذب المواطنين بينما رواتب القطاع العام مرتفعة وأغلبها من دون إنتاج حقيقي؟ وكيف سيكون الوضع في المستقبل لو عرفنا أن الدولة ستكون مطالبة بخلق نصف مليون فرصة عمل في العشرين سنة القادمة؟! وما الخطوات المطلوبة لحل هذا الملف الشائك؟ هذا ما سنجيب عنه في الأسبوع القادم بإذنه تعالى. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة