قبل أن تضع أميركا أسماء اثنين من كبار ضباط حراس الثورة الإيرانية إلى جانب اسم الرئيس السوري بشار الأسد وأسماء عددٍ من مساعديه وأركان حكمه على لائحة العقوبات التي أصدرتها، لتورط هؤلاء جميعاً في جرائم القتل التي أُرتكبت بحق المحتجين والمتظاهرين السوريين، فإن هناك من بقي يشكك في كل ما قيل حول أن السلطات السورية استنجدت بإيران لقمع هذه المظاهرات، وأن طهران استجابت وأرسلت عدداً من خبراء استخباراتها إلى دمشق, مع خطط جرى اختبارها مرات كثيرة في قمع المتظاهرين الإيرانيين, للقضاء على الثورة السورية.

Ad

الآن، وبعد هذا القرار الأميركي, الذي لا شك في أنه استند إلى «مستمسكات» ومبررات لا تقبل الإنكار, فإنه يَثْبُتُ بالأدلة القاطعة أن إيران متورطة في مواجهة احتجاجات الشعب السوري، وأنها تتدخل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لدولة عربية بالوقوف إلى جانب الحكم ضد شعب أعزل من حقه أن يطالب سلمياً بالإصلاح والديمقراطية والحريات العامة.

والمُستغرب حقاً أن إيران التي أرسلت حراس ثورتها للمشاركة في قمع الشعب السوري ومواجهة إرادة الجماهير السورية، كانت قد سكتت وطأطأت رأسها عندما أرسلت إسرائيل طائراتها لتدمير أبنية المشروع النووي، الذي كانت دمشق بصدد إنشائه في منطقة بالقرب من مدينة دير الزور، وأنها, أي إيران, كانت قد سكتت أيضاً عندما اخترقت الطائرات الإسرائيلية جدار الصوت فوق قصر الرئاسة في القرداحة، وعندما أغارت في فترة سابقة على منطقة عين الصاحب، ودمَّرت قاعدة عسكرية لإحدى التنظيمات الفلسطينية.

وهذا يدل على أن التحالف السوري-الإيراني قد يتخذ أشكالاً أخرى من التدخل في شؤون الدول العربية المحسوبة على المحور المناهض لما يسمى محور «الممانعة والمقاومة»، وعلى غرار ما هو جارٍ في لبنان حيث يشكل حزب الله قاعدة مشتركة لنفوذ إيران وسورية، وحيث من المتوقع أن يتحرك عسكرياً لخلق مشكلة جديدة في هذا البلد في حال ازداد اهتزاز المعادلة السورية الداخلية.

لقد كانت هناك قناعة لدى بعض الدول العربية, سادت قبل فترة, بأن هناك تباعداً سورياً-إيرانياً على الطريق، وأن الرئيس بشار الأسد سيبادر حتماً إلى فك تحالف بلاده مع إيران إذا ضمن انفراجاً جدياً على مسار الحل السلمي على جبهة الجولان، وإذا استجدت عوامل تجعله بحاجة إلى الاستنجاد بالعرب لمواجهة أي تطورات ضاغطة على صعيد أوضاع سورية الداخلية، لكن ثبت، ليس مرة واحدة فقط، بل عشرات المرات، أن أبعاد هذا التحالف غير السياسية تجعله غير خاضع للمراجعة أو التراجع، وتبقيه أرسخ من جبل قاسيون.

وحتى بالنسبة إلى التصريح الذي صدر عن دمشق إبان اشتداد الأزمة في البحرين، وأكدت فيه أن من حق المنامة أن تستعين بمن تشاء, في إشارة إلى قوات درع الجزيرة, لضبط أوضاعها الداخلية، فإن هذا جاء كمناورة سياسية استباقية حيث كانت احتجاجات الشعب السوري قد بدأت بأحداث درعا المبكرة، وكان النظام بحاجة إلى الصمت العربي على الأقل إزاء مواجهة هذه الاحتجاجات بالقبضة الحديدية.