أنهيت مقالي المنشور أول من أمس تحت العنوان ذاته، بأنني أستميح اللجنة المالية والاقتصادية الموقرة عذراً في أن أطلق على مشروع قانون الغرفة الذي أقرته، مشروع قانون تأميم غرفة التجارة، بعد أن بينت كيف خرج مشروع قانون الغرفة، خارج سرب النظام الدستوري والقانوني في الكويت بحرمان أصحابها من حقهم الطبيعي في تكوينها وتنظيمها، بما ينطوي على مخالفة أحكام المواد (16) و(20) و(41) و(43) من الدستور، التي تضمنت المبادئ الدستورية التي يقوم عليها نظام الاقتصاد الحر في تدخل الدولة المحدود في النشاط الخاص، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات واتحادات أصحاب الأعمال.

Ad

وأتناول في هذا المقال مخالفات دستورية أخرى هي:

إشراف وزير التجارة على الغرفة

وفيما أعلم، والله أعلم، أن دستور الكويت وغيره من دساتير دول العالم التي تأخذ بنظام الاقتصاد الحر، لم تأخذ بإشراف الوزراء على المؤسسات الخاصة، وأن دستور الكويت في تحديده لمسؤوليات الوزير وصلاحياته، قد نصّ في المادة (130) على أن "يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها".

كما حظرت المادة (131) على الوزير أن يزاول في أثناء توليه الوزارة، مهنة أو عملاً صناعياً أو تجارياً أو مالياً.

ولذلك فقد بدت لي المادة الثانية من مشروع قانون الغرفة فضلاً عن مخالفتها لأحكام المواد (16) و(20) و(41) و(43) من الدستور التي تحدد سمات النظام الاقتصادي في الكويت، منطوية كذلك على مخالفة للمادتين (130) و(131) من الدستور، في ما تنص عليه من إشراف الوزير على غرفة التجارة والصناعة، بالرغم من اعتراف هذه المادة بأنها مؤسسة خاصة، لما ينطوي عليه ذلك من مد إشراف الوزير المنصوص عليه في المادة (130) من الدستور إلى المؤسسات الخاصة، واستثناء الغرفة من مجال تطبيق الحظر المنصوص عليه في المادة (131) من الدستور، والذي جاء الحظر فيها عاماً ومطلقاً، فيسري على أي مؤسسة خاصة ولو كانت منشأه بقانون، لا يملك إنشاءها أصلا، أو كان الغرض من إنشائها هو النفع العام، بما ينطوي ذلك أيضاً على مخالفة لأحكام المادتين (130) و(131) من الدستور.

هل أصبحت الغرفة مؤسسة عامة؟

يقول الأصوليون "إن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني"، لذلك فقد بدا مشروع قانون الغرفة بإنشائه للغرفة، على أشلاء غرفة لا يعترف بوجودها الشرعي والقانوني، منكراً لهذا الوجود أصلاً وامتداداً لإنكاره لقانونها الصادر سنة 1959، في الوقت الذي لم يلتزم بأحكام الدستور، بأن يكون إنشاء هذه الغرفة، بإرادة أصحابها، وبما أورده المشروع من تنظيم كامل لهياكل الغرفة، وكيفية تشكيلها وعدد أعضائها، والصلاحيات والحقوق والواجبات التي قررها لهذه الهياكل، وغير ذلك من تفصيلات يضيق المقام عن سردها، وحرمان جمعيتها العامة من حق وضع ولو لائحة داخلية لها، عندما فّوض المشروع وزير التجارة والصناعة في وضع لائحة تنفيذية لهذا القانون، ثم بتقرير إشراف وزير التجارة والصناعة على الغرفة، قد بدا لي من كل ذلك أن المشروع يستهدف إنشاء مؤسسة عامة، خانه التعبير عنها فنصّ على أنها مؤسسة خاصة ذات نفع عام.

ولا يقلل من هاجس تحول غرفة التجارة إلى مؤسسة عامة، أن يكون تشكيل مجلس إدارتها بالانتخاب، لأن الانتخاب يعرفه أشخاص القانون العام أيضاً، فالانتخاب مقرر في المجالس المحلية في الدول التي تأخذ باللامركزية المحلية، وهي مجالس تعتبر من أشخاص القانون العام، وليست مؤسسات خاصة، ويُختار رجال القضاء في بعض الدول بطريق الانتخاب.

بل إن الغرفة، تصبح بإشراف وزير التجارة والصناعة عليها في وضع أقل استقلالاً من المؤسسات العامة، لأن الدستور لم يمنح الوزراء اختصاصاً بالإشراف على المؤسسات العامة، التي ألزم الدستور المشرع في المادة (133) بأن يكفل استقلالها في ظل توجيه الدولة ورقابتها. والتوجيه والرقابة يختلفان عن الإشراف، لأن الإشراف هو تدخل في الإدارة الفعلية لهذه المؤسسات العامة التي يحرص الدستور على استقلالها، أما التوجيه والرقابة فيمارسهما الوزراء من خلال رئاستهم لمجالس إدارات الهيئات والمؤسسات العامة التي تقرر السياسات العامة لها، ومتابعة تنفيذ هذه السياسات.

هل يلغي المشروع نصاً في الدستور؟

سؤال يطرحه مشروع قانون الغرفة في ما نص عليه في المادة (60) من أن "يلغى كل نص في قانون عام أو في قانون خاص يتعارض مع أحكام هذا القانون"، وذلك للخروج من المأزق التشريعي الذي أوقع المشروع نفسه فيه، بإنكار وجود قانون الغرفة لسنة 1959، وإغفال ذكره في ديباجة المشروع التي حفلت بخمسة عشر قانوناً لعله أهمها، فوقع المشروع في مأزق دستوري هو إلغاء أي نص دستوري يتعارض مع أحكام المشروع، لأن الدستور هو فرع من القانون العام، وأي نص فيه هو نص في قانون عام.

وما كان أغناه المشروع عن إيراد هذا التقسيم الفقهي لمقررات الدراسة بكليات الحقوق للقانون إلى عام وخاص، لأن هذا التقسيم لا يعرفه الدستور، وليس من طبيعة عمل المشرع، الذي يجب أن ينأى بنفسه عن تقسيمات فقهية توقعه في الحرج، خصوصاً أن مشروع قانون الغرفة يشوبه شبهة التعارض وأحكام المادة (43) من الدستور التي تقرر حرية تكوين الجمعيات والنقابات، وكأن المشروع أراد بذلك إلغاء النص الدستوري، وهو ما لا نعتقد أنه القصد من نص المادة (60) من المشروع، وإن كان قد وقع المحظور.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.