رئيس جامعة جالا الإسلامية بتايلند د. إسماعيل لطفي جافاكيا: قطعنا شوطاً كبيراً في الحوار بين الإسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية والسك

نشر في 13-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 13-08-2010 | 00:00
المجتمع المسلم في تايلند يمثل أكثر من عشرة ملايين شخص ويمثلون أكثرية في المحافظات الجنوبية للبلاد، ويمتلك المسلمون 3494 مسجداً موزعة على المناطق المختلفة في تايلند، وعلى الرغم من أن الدستور التايلندي يكفل حرية العبادة، فإن الأمر لا يخلو من المشاكل التي تحاصر المسلمين في هذه البلاد وأخطرها مشكلات التنصير والبوذية، وتتعدد القضايا المتعلقة بالمجتمع المسلم في تايلند، والتي حاولت «الجريدة» التعرف عليها في حوارها مع د. إسماعيل لطفي جافاكيا رئيس جامعة جالا الإسلامية بتايلند أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة... وفي ما يلي تفاصيل الحوار.

● في البداية نود التعرف على جامعة جالا الإسلامية والدور الذي تقوم به لخدمة الإسلام والمسلمين؟

- جامعة جالا الإسلامية بتايلند تقوم بدور عظيم، ليس لخدمة المسلمين في تايلند فقط، ولكن في الدول المجاورة أيضا، وتعد جامعة جالا صرحا علميا شامخا يحمل على عاتقه مسؤولية نشر العلم الصحيح المعتمد على الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، ليتخرج فيها جيل مؤمن صالح عالم بدينه وعارف بعصره وعامل بعلمه، وتعتبر جامعة جالا أول مؤسسة تعليمية جامعية إسلامية أهلية في تايلند، وتحتضن 6 كليات بها 27 قسما، تصب جميعها في دراسة العلوم العربية والإسلامية واللغات الأجنبية، وذلك رغبة منا في تخريج دفعات محصنة بتعاليم الإسلام أولاً واللغات الأجنبية ثانياً للقدرة على التواصل مع العالم الخارجي بشكل صحيح، وتشهد هذه الجامعة إقبالا منقطع النظير للالتحاق بها من أبناء مسلمي تايلند وأبناء الأقليات المسلمة من الدول المجاورة لتايلند إقليميا، وأبناء الأقليات المسلمة في العالم لمواصلة التعليم الجامعي فيها، كما أن جامعة جالا الإسلامية تعمل على ترسيخ مفهوم الإسلام الوسطي الذي يدعو إلى التعايش السلمي وإلى التسامح بين البشر جميعا على مختلف معتقداتهم وألوانهم وأجناسهم، فضلا عن ذلك يتجلى الدور المنشود لجامعة جالا الإسلامية في تخريج الكوادر الأكاديمية وبناء القوة العلمية المستمرة، والتنافس لمواكبة ثورة المعلومات ورفع وتنمية مستوى مجالات التعليم والدراسات الإسلامية نحو الجودة الشاملة العالمية لاستيفاء حاجات المجتمع الإسلامي والإنساني، وكذلك للمشاركة في حل معضلات المنطقة والنهوض بها.

● نود أن نلقي الضوء على تاريخ الوجود الإسلامي في تايلند؟

- وصل الإسلام إلى تايلند بصفة عامة في عصر «سؤخوتاي»، أي في القرن الثالث عشر الميلادي، والذي حمل رسالة الإسلام هم المهاجرون من العرب والهنود والفرس، حيث نزحوا عن أوطانهم بقصد التجارة، وكانت للرحلات التجارية التي قام بها التجار المسلمون من عرب وهنود وفرس آثارها الاقتصادية القومية، ولها أيضاً آثارها الدينية فقد أدت إلى نشر الدين الإسلامي في جهات متعددة لم تطأها قدم عربي واحد، ومما ساعد على وصول الإسلام إلى تايلند أيضاً الهجرات المباشرة التي قام بها التجار المسلمون من جنوب الجزيرة العربية أو من سواحل عمان ومن شبه القارة الهندية، واحتكاك تايلند وصلاتها بالمناطق الإسلامية في الأرخبيل الماليزي وخليج البنغال والجزر الإندونيسية وجنوب الهند، وهي مناطق وصل إليها الإسلام في أزمنة مبكرة، وقد بدأ الدين الإسلامي انتشاره أولاً في شبه جزيرة الملايو، ثم جاء إلى بلاد تايلند عن طريق التجار العرب الذين جاءوا للتجارة ونشر الإسلام معاً، ويبلغ عدد المسلمين الآن في تايلند حوالي عشرة ملايين نسمة ينتشرون في مختلف أنحاء البلاد، ويمثلون أكثرية في المحافظات الجنوبية، وهي فطاني وجالا وناراتيوات وستول وسونجكلا، والدستور في تايلند يكفل حرية العبادة، والمسلمون في تايلند يمتلكون العديد من المساجد، حيث يبلغ عدد المساجد المسجلة رسمياً في تايلند 3494 مسجداً، ويمتلك المسلمون المدارس الدينية الأهلية المنتشرة في البلاد والتي تبلغ 395 مدرسة.

● هل هناك مشكلات تواجه تعليم النشء الصغير وإن وجدت فما آليات حلها؟

- بالفعل هناك عدد من المشاكل التي تواجه الأطفال التايلنديين المسلمين في مقدمتها مشكلة البيئة التي يعيشون فيها، ومشكلة التعليم الإلزامي في المرحلة الابتدائية بالمدارس الحكومية البوذية، وانتشار الرذيلة بين العديد منهم من خلال وسائل الإعلام السمعية والمرئية، وحتى يتمكن البيت والمؤسسات التعليمية والبيئة الاجتماعية من التضافر في تنشئة الطفل تنشئة إسلامية صالحة يتطلب منا ذلك إيجاد التنظيم الصالح بين أفراد الشعب المسلم، ليجعل الجماعة تعين الفرد في واجباته نحو أطفاله، ويجعل الفرد يعين الجماعة في واجباتها نحو الأطفال، وعدم الاقتصار في تعليم الطفل على تعبئة عقله فحسب، وإنما يجب العمل على بناء شخصيته الأخلاقية، وهويته الإسلامية وشعوره بمسؤولياته نحو مجتمعه الإسلامي، وتعريفه تعريفاً كاملاً بالمبادئ والأخلاق، وذلك عبر دراسته للقرآن الكريم قراءة وحفظاً وتفسيراً، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبذل الجهد لتفوق الطفل المسلم في دراسته وأعماله الدنيوية، لأن الإسلام دين ودنيا، ولأن كل عمل يؤدي إلى رفع شأن الجماعة الإسلامية في المجتمع الإسلامي هو عمل إسلامي مادام لا يتعارض مع الطرق الشرعية، وإنشاء المدارس العامة الابتدائية والمتوسطة والثانوية التي تعطي الطفل المسلم البرنامج الدنيوي العام مع التعليم الإسلامي اليومي، وبذلك تصبح المؤسسة التعليمية مساندة للبيت، بل وواقفة موقفه في حالة تغيب المناخ الإسلامي عن البيت.

● ما أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع المسلم في تايلند في الوقت الحالي؟

- أكبر مشكلة تواجه شعب تايلند المسلم تتمثل في خطر الانخراط الاجتماعي في المجتمع البوذي، انخراطاً في الدين والثقافة والعادات واللغة والتقاليد الاجتماعية، لكن هذا الانخراط يجري بطيئاً ويؤثر على الأجيال على المدى الطويل، وذلك لوجود التنظيمات والمؤسسات الإسلامية التي تحول دون سرعة تحقق الانخراط المشؤوم، ومن علامات هذا الانخراط تغيير الأسماء الإسلامية إلى الأسماء البوذية، وخاصة الأطفال الذين يدرسون في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وكذلك أسماء الأماكن، ولتزيد عملية الانخراط سرعة قامت حكومة تايلند بطرد زعماء المسلمين إلى خارج البلاد إما مباشرة أو بضغوط شتى، أو بالتركيز على أمنائهم، فعندما يحرم الشعب المسلم من مثقفيه وعلمائه ويصبح مجموعات مشتتة عديمة النفوذ يسهل على البوذية امتصاصه والقضاء عليه، هذا بالإضافة إلى تحدي التنصير الذي يحاصر مسلمي تايلند من كل جانب، فالإرسالية المسيحية في تايلند نشيطة جداً، لإمكاناتها المادية الضخمة التي تزودها الهيئات والمنظمات والمؤسسات في الدول المسيحية الغربية فأخذت تصول وتجول كما تشاء، وقد لجأ المنصرون إلى مختلف الوسائل لتحقيق هدفهم، ومنها إنشاء مستشفيات وعيادات طبية في الولايات الجنوبية وتقديم العلاج إلى المرضى المسلمين مجاناً أو بسعر مخفض، وفتح فصول دراسية في مدينة جالا لتدريس اللغات الحية وغيرها من العلوم للطلبة المسلمين، ولكن الغرض الأساسي منها ترويج التعاليم النصرانية بين الأوساط الطلابية.

● هل هذه هي كل المشكلات التي يواجهها مسلمو تايلند أم أن هناك مشكلات أخرى؟

- مسلمو تايلند يعدون أقلية، وهذه الأقلية تعاني المشكلات كسائر الأقليات الأخرى، وفي مقدمة هذه المشكلات تأتي الحقوق السياسية، فمسلمو تايلند لا يتولون مناصب في الحكومة، فضلا عن مشكلات الفقر التي يعانيها المسلمون أكثر من غيرهم نتيجة لانخفاض الدخل ونقص المهارات التي تكسبهم دخولا أعلى، لأن معاهد التعليم الفني التي تكسب دارسيها الخبرات يحجم أبناء المسلمين عن دخولها لأنها تعتمد في مناهجها على نشر الديانة البوذية.

● انتشرت في العالم الآن ظاهرة غريبة وهي الخوف من الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا، هل لهذه الظاهرة وجود في تايلند؟

- نعم للآسف هذه الظاهرة وجدت في تايلند خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في أميركا، واتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب، فظاهرة الخوف من الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا وجدت في تايلند في أوساط غير المسلمين وحتى في أوساط المسلمين أنفسهم، خاصة الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه، فهؤلاء يخافون من المسلمين المتدينين، وقد حاولنا بشتى الطرق علاج هذه المشكلة بالعمل على نشر الإسلام الصحيح الوسطي المتسامح الذي يدعو إلى الرحمة وحسن الخلق، وهو الهدف الأسمى للإسلام، ومجيئه للعالم لقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» الأنبياء 107، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وتواصلنا في الدعوة لنشر هذه المفاهيم السامية وبيان مقاصد الشريعة الإسلامية العامة والخاصة، والحمد لله تعالى، أصبحت الأمور تسير في اتجاه أفضل من ذي قبل.

● مع تعدد القوميات في تايلند هل تقومون بالحوار بين أهل الأديان المختلفة هناك؟

- الحوار أفضل وسيلة لتحقيق التعايش والتعارف في المجتمع الإنساني، ونحن نرحب بهذه الدعوات، لأن ديننا أمرنا بالحوار والتعاون والتعارف لتحقيق الخير للبشرية جمعاء، ونحن في تايلند قطعنا شوطا كبيرا في الحوار بين الأديان التي تتمثل في «الإسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية والسك»، وأقمنا عدة فعاليات تركزت حول السعي إلى هدف واحد وهو التعايش السلمي واحترام التعددية الدينية والثقافية، والتركيز على تنمية الإنسان، ودعم علاقات الإخوة الإنسانية، وهذا ما تهدف إليه جميع الأديان، وكان الجميع متفقين على هذا الهدف.

● نريد تسليط الضوء على علاقة مسلمي تايلند بالعالم الإسلامي وعلاقتهم بالدولة في تايلند؟

- مسلمو تايلند على علاقة وثيقة بأمتهم الإسلامية، كما أننا نلتزم بتطبيق الإسلام الوسطي المتسامح منهجا وسلوكا، ونسعى دائما إلى ان نجعل المسلم في تايلند يجسد حقيقة الإسلام السمح، وفي الوقت نفسه نتلقى الدعم من العالم الإسلامي، خاصة في تأسيس جامعة جالا الإسلامية، فقد تمثلت باكورة الدعم المادي من البنك الإسلامي للتنمية بجدة عام 1988 بمبلغ مليون ومئتي ألف دولار أميركي، ثم كانت التوصية من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في الاجتماع لدورته الرابعة والثلاثين بمكة المكرمة عام 1995، وبناء على هذه التوصية بادرت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية المنبثقة عن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بدعم الجامعة، أيضا الحكومة في تايلند تحاول دائما الاستعانة بالعلماء المسلمين الذين يمثلون الاعتدال والوسطية، ويتحلون بروح الإسلام الصحيح، بهدف توعية مسلمي تايلاند، وذلك لمنع حدوث أي مشاغبات من بعض مسلمي تايلند، خاصة الذين يقومون بأعمال ضد الحكومة، بسبب مطالبتهم باستقلال إقليم «فطاني» الذي يقع جنوب تايلند، وكان يحكمه سلاطين مسلمون في فترة ما من الزمن، ثم وقع تحت حكم تايلند منذ أكثر من مئة سنة، وهذه القضية ما زالت تثار من حين لآخر لدى المسلمين، فقد قام بعضهم بأعمال ضد الحكومة بهدف استرداد بلادهم وأراضي أجدادهم كما يقولون، ويبدو أن هذه الأعمال تستحوذ على اهتمام الحكومة، ومن ثم بدأت الحكومة في ترسيخ دعوة الإسلام إلى التعايش السلمي في أوساط المسلمين، وبالتالي تسعى دائما إلى استقدام علماء كبار من العالم الإسلامي.

back to top