قرأت منذ أيام في كتاب «الوزير المرافق» للدكتور غازي القصيبي العبارة التالية: «لقد كانت الرغبة في فرض التطور غلطة الشاه الأساسية، وكانت غلطة أتاتورك قبله»، فأعجبتني وقمت بنشرها في «تويتر»، لأتلقى تعليقاً بعد ساعات من الزميل تركي الدخيل يفيد باختلافه مع العبارة.

Ad

والحقيقة أني لم أتمكن من معرفة زاوية اختلاف الزميل تركي معها حتى ساعة كتابة هذا المقال، لكنني أراها، أي العبارة، من حيث المبدأ العام صائبة تماماً.

أعتقد تماماً، والاعتقاد هو الجزم، أن كل «تغيير» يُفرَض عنوة، غالباً ما ينتهي إلى الفشل، وهذه القاعدة قاعدة عامة تسري على أبسط المنظومات الإدارية والاجتماعية، كالأسرة على سبيل المثال، وصولاً إلى أكثرها تعقيداً، كالدول كبيرها وصغيرها، مروراً بمؤسسات العمل بأشكالها ونظمها المختلفة.

والإرادة الطيبة والنوايا الحسنة التي تدفع البعض، كرب الأسرة أو مدير الشركة أو حتى رئيس الدولة، إلى فرض التغيير على أتباعه، لا تكون كافية أبداً لتمرير هذا التغيير، وتسهيل حصوله. وتلك الحكمة الشهيرة التي تقول إن الطريق إلى الجحيم مُعبَّد بالنوايا الطيبة، صادقة تماماً في هذا الصدد، ففشل الوصول إلى النتائج المرجوة من التغيير الذي تم فرضه، من بعد صرف كل تلك الجهود وإنفاق كل تلك الأموال وإضاعة كل ذلك الوقت، هو الجحيم بعينه ولا شك، وهذا يدركه كل مَن ذاق مرارة الفشل والإحباط.

لذا فمن المهم، وقبل الشروع في إجراء أي «تغيير»، فضلاً عن فرضه طبعاً، إدراك حقيقة أن الأتباع ليسوا روبوتات (رجالاً آليين) سيستجيبون لنداء التغيير بمجرد إطلاق النفير، وإنما هم، أفراداً وجماعاتٍ، منظومات نفسية وعاطفية وفكرية، مليئة بالتعقيدات والمخاوف التي تحتاج إلى معالجتها وتلبية احتياجاتها، قبل إقحامها في أي مشروع للتغيير وافتراض تجاوبها المطلق واستجابتها الإيجابية.

من طبيعة البشر أنهم يقاومون التغيير، ويكرهون الخروج عما يسمى في علم الإدارة دائرةَ الراحة والمألوف (comfort zone)، وذلك لأسباب متنوعة لا يتسع المقام لتناولها، ولكنها ضرورية جداً، ومن المهم إدراكها عند كل قائد يفكر في إخضاع أتباعه لعملية تغيير ما، كبيرة كانت أو صغيرة.

ولعلي كنت محظوظاً جداً لأنني حظيت في بيئة عملي بتدريس وتدريب مكثف في مجال «إدارة التغيير»، وعايشت بعد ذلك تجارب مختلفة للتغيير على أرض الواقع وتمكنت من تطبيق تلك الأدوات التي تعلمتها، ومن ثم رصدت الإيجابيات والسلبيات، والعوامل المساعدة والمعوقات، وغيرها.

والكتب في هذا المجال كثيرة، لكنَّ من أبرزها في ذاكرتي، وأكثرها تبسيطاً، كتابين أجنبيين ترجمتهما مكتبة جرير؛ الأول، هو الكتاب الشهير «من حرك قطعة الجبن الخاصة بي»، لسبنسر جونسون، والثاني، وهو أقل شهرة من سابقه، هو كتاب «جبلنا الجليدي يذوب»، لجون كوتر. كلا الكتابين يتكلم عن فلسفة التغيير، وعن ردة الفعل الجماهيرية تجاهها، وذلك في قالب قصصي مشوق، وكلاهما يعتمد على المنحنى الإداري الشهير للعالم كابلر روس، في هذا المجال، والذي يقول إن الناس عند تلقيهم «خبر التغيير»، يمرون بمراحل مختلفة، يتمكن البعض من تجاوزها جميعاً، بينما يتلكأ البعض الآخر ويتباطأ، في حين قد تفشل مجموعة.

كابلر روس يقول في نظريته إن هذه المراحل تتسلسل كالتالي: الجمود أو الذهول، ثم الإنكار، ثم الغضب، ثم المساومة، ثم الإحباط، ثم التجربة والاستسلام، انتهاء بالقبول. وكما ذكرت فإن الناس تتفاوت في سرعة انتقالها من مرحلة إلى أخرى، وفقاً لاستعداداتها الفطرية والفكرية، وأيضاً وفقاً لما تم تقديمه إليها من قبل «القيادة»، لدفعها إلى التحرك على هذه السلسلة المرحلية بسلاسة.

وأما القيادة التي لا تدرك هذه العوامل، وغيرها مما لم أذكره هنا، ولا تأخذها في حسبانها، ولا تضع في حساباتها أن تتعامل معها وتعالجها، ستنتهي كل محاولاتها لفرض التغيير، من أي نوع كانت، إلى التكسر على صخرة الواقع البشري العصي عادة على التغيير، وهو ما يقع فيه أغلب القادة والرؤساء والمديرين دائماً.