بهبهاني والنقيب!
على الرغم من معاناة الدكتور هاشم بهبهاني المرض لم تفارقه الابتسامة الطبيعية وتبادل التعليقات الساخرة ليضفي على من حوله جواً من المرح والتلقائية، أما الدكتور خلدون النقيب فكان مناضلاً من الطراز الأول من أجل دعم أسس الديمقراطية في العالم العربي، وخاصة منطقة الخليج.خسرت الأسرة الجامعية ومعها الكويت برمتها اثنين من خيرة أبنائهما، وهما الدكتور هاشم بهبهاني، والدكتور خلدون النقيب، اللذان التحقا بالرفيق الأعلى بعد سنوات من العطاء العلمي وخدمة المجتمع وإثراء المكتبة البحثية.
وإذا كان لجامعة الكويت أن تفتخر بروادها وإنجازاتهم ونبوغهم في مواكبة الأحداث والتطورات المجتمعية ليس فقط على الصعيد المحلي بل على نطاق إقليمي أوسع، فلها أن تتباهى بمثل مساهمات الفقيدين البحثية والعلمية.فالدكتور هاشم بهبهاني كان من أوائل الأكاديميين الكويتيين المتخصصين في شؤون الأنظمة الاشتراكية إبان الحكم السوفياتي الشيوعي ومداره الفلكي في شرق آسيا، وكان من المتنبئين بسقوط تلك المنظومة وتغيرها إلى أنماط ديمقراطية أكثر انفتاحاً في مجال الحريات السياسية والتحرر الاقتصادي وتداول السلطة، وكان طوال فترة مرضه العضال الذي امتد على مدى عشرين سنة متابعاً ومهتماً برياح التغيير العاصفة شرق كوكب الأرض، ولم يترك مهمة التدريس على الرغم من تدهور صحته بشكل كبير، فكان يستقبل طلبته في منزله وهو على مقعده المتحرك، وقد سمعت منه مراراً التعبير عن فرحته عندما يلتقي بطلبته وزملائه ويتبادل معهم الرأي في الشأن السياسي ومتابعة الأحداث الإقليمية والعالمية.والدكتور بهبهاني الذي داهمه المرض وهو في عز الشباب سجل قمة التحدي والصبر، وكان من شدة الضعف يرفع قدميه بيده ليستعيد وضعه جالساً، ومع ذلك لم تفارقه الابتسامة الطبيعية وتبادل التعليقات الساخرة ليضفي على من حوله جواً من المرح والتلقائية.والدكتور خلدون النقيب من جانبه كان مناضلاً من الطراز الأول من أجل دعم أسس الديمقراطية في العالم العربي، وخاصة منطقة الخليج، ويتميز بأطروحاته الجريئة والشجاعة في زمن النفاق السياسي والمجاملات للأنظمة والحكومات، فكانت مبادئه العلمية ونظرياته الأكاديمية النابعة من قناعاته وتجربته البحثية راسخة وتنعكس بوضوح وثبات في مشاركاته الإعلامية وحلقات النقاش والمؤتمرات العلمية.وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي كانت تمارس على الدكتور النقيب ومنع الكثير من كتبه ومقالاته، فإن شموخه وإصراره كانا أكبر، فلم يتراجع حتى فتحت أبواب الفرج بفضل التقنية الحديثة وعصر الإنترنت لتنطلق أفكاره بعمق في عموم الوطن العربي. وعاش الدكتور النقيب ليرى ثمرة مؤلفاته ونظرياته التي أثرى بها المكتبة الأكاديمية في مجال الثورات الديمقراطية ولو في بداياتها الأولى، فاستحق بذلك أن يتباهى ويفتخر بمصداقيته العلمية وقناعاته المبدئية، إلا أن القدر لم يمهله ليكون شاهداً على بقية فصول هذا الحراك الجديد أو أن يستمر في المساهمة في تقويم مساره وتقييم نتائجه.وإذا كانت لوعة الحزن والفراغ التي تركها الفقيدان السيدان بهبهاني والنقيب عميقة فإن الحسرة الأكبر أن يكون من بين نخبتنا العلمية من يعيش الغربة في مجتمعه، وألا يستفاد من علمه وعطائه لمبدئيته ورفضه طقوس التزلف والتملق، وهذا هو الابتلاء الحقيقي والخسارة الجمة التي نظل ننزف بسببها ونهدر طاقاتنا الوطنية المخلصة.ولذا ندعو الإدارة الجامعية بل الحكومة إلى تخليد ذكرى هذين الأستاذين الفاضلين بالطريقة التي تناسب مكانتهما العلمية تكريماً لهما، وحافزاً لبقية زملائهما، وخاصة من جيل الشباب لمزيد من العطاء للفكر الإنساني وقافلة العلم التي لا تتوقف أبداً.ونسأل الله تعالى للفقيدين الرحمة والمغفرة، ولأهلهما الكرام وزملائهما وطلبتهما خالص العزاء والمواساة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة