استقالة وزير الداخلية وقبول الاستقالة من رئيس مجلس الوزراء يفترض أن تكون مسألة محسومة وغير قابلة للنقاش لا من مجلس الوزراء ولا من مجلس النواب، ولا يغني عن استقالة وزير الداخلية اشتراطاته بإطلاق يده لإصلاح وزارة الداخلية، كما جاء في مانشيت «القبس» أمس... فتلك مجرد أعذار تتلمسها الحكومة للإبقاء على الوزير، فهو «شيخ» والشيوخ يبدو في عرف سلطة الحكم فوق المساءلة السياسية. ليس الوزير مع كل التقدير لمحاولاته الإصلاحية كما يتشدق بها نواب الحكومة في معرض المساومة على الاستقالة، فهناك ضحية بالأمس اسمه محمد المطيري مات من التعذيب، وهناك قبل محمد عشرات ومئات المتهمين الذين يتم التحقيق معهم عبر الهراوات «والهوزات» وغيرها من وسائل التعذيب التي استقرت عليها أعراف وزارة القهر منذ خلقها، ربما ينقص أبطال الوزارة التعذيب بالكهرباء كي نتساوى مع «جمهورية الرعب» الآفلة لصدام حسين.  

ما معنى أن يطلب الوزير السماح له «بنفض» الوزارة، وكأن شخصاً غيره كان في أعلى قمة الهرم الإداري لوزارته، وإذا كانت هناك جماعات نفوذ ومراكز قوى فاسدة في الوزارة لم يكن باستطاعة الوزير قلعها فلماذا لم يقدم الوزير استقالته إلى رئيسه منذ البداية، ثم يصارح الناس عبر الإعلام والقنوات القانونية «بالخمال» المعتق في وزارة الداخلية، عندها سنؤمن بأن هذا الوزير وغيره من الوزراء جاؤوا للإصلاح، ولكن قوى الفساد كانت أقوى منهم، ولم يكن هناك من خيار سوى تقديم الاستقالات وفضح تلك الجماعات وعوراتها  وتعرية من يتستر عليها مهما علت مراكزهم. الزميل عبداللطيف الدعيج اختصر مأساة هذا الوضع المزري بعبارة «وهذا وزير شيخ»، فإذا كان الوزراء الشيوخ «مربوطة» أيديهم وهم الوزراء «الديلوكس»، وهم «حكومة الحكومة»، كما أسميتهم منذ سنوات، فماذا عن بقية الوزراء العاديين، الذين يتركون الوزارة بعد سنوات من «محاولات» الإصلاح الفاشلة بعد صدهم بحوائط الفساد وقوى النفوذ، ليصبحوا مستشارين عند الحكومة (إذا كانوا من المرضي عنهم) بطبيعة الحال، أو ننساهم مع الزمن حتى يأتي اليوم الذي يتذكرهم فيه أهل الحل والعقد ليضعوهم في مركز ما كنوع من التعويض عن سنوات النسيان.

Ad

لم يعد للكويت متسع من الوقت لسياسات «الهون أبرك ما يكون»، وليست الكويت بحاجة إلى المزيد من «المحامين» النواب الذين لا هم ولا عمل لديهم غير «الترقيع» للحكومة والتماس الأعذار لها أو لوزرائها، وتحميل مجلس الأمة كل أسباب التخلف والتأخر وهدر كرامات الناس، فهذه قضية لم تعد تخص شيوخنا الأفاضل، بل قضيتنا وهي قضية هذا الوطن الصغير، فحاضره لا يتسع لمزيد من نزاعات السلطة ولا مكان في مستقبله لطموحات وأحلام التفرد في السلطان.