أشعر أن في قلبي غُرفاً لأحبابي وأصدقائي الأقربين، كلٌ له غرفته الخاصة يؤثثها بحضوره الإنساني وابتسامته ونبرة صوته وأفكاره. وأن غياب أحدهم، يعني خلو غرفته في قلبي. وإذا كان الغيب موتاً، فإن تلك الغرفة ستغلق أبوابها، وتبقى صامتة، تلفّ جدرانها الذكريات، أمر بها بين آن وآخر، فتدمع عين قلبي على غياب أحبتي.

Ad

الدكتور أحمد البغدادي كان صديقاً يحتل غرفة كبيرة في قلبي، فإلى جانب خصاله الإنسانية الحميدة، التي يعرفها أصدقاؤه، كان شخصاً لافتاً في طريقة تفكيره، ووعيه، وجراءته في التصريح بمكنون قناعاته؛ لذا فإن غياب البغدادي، لن يترتب عليه خلو غرفته المضاءة في قلبي وحدي، بل يعني خسارة كبيرة، تمتد على مساحة قلوب وطنٍ بأكمله. خسارة يصعب جداً تعويضها.

إن بروز موهبة في أمةٍ ما، يعني بين أمور أخرى، بروز الأمة برمتها، برفع سمعتها، وتأكيد حضورها الفكري والأدبي والفني بين الأمم، لذا فإن أي أمة من الأمم، لا تفاخر بعدد سكانها لكنها تفاخر بأبنائها المفكرين النابهين الموهوبين المبدعين، لأنهم وحدهم من سيرفعون اسمها عالياً بين الأمم، ووحدهم من سيخلدون ذكرها على مرّ الزمن.

إن الوقوف على سيرة الدكتور أحمد البغدادي، يؤكد على نباهته، في مختلف مراحل تحصيله العلمي، مثلما تظهر سيرة رجل علمٍ ودرسٍ، وهب حياته لتحصيل مزيد من العلم ومزيد من الوعي، وربما هذا هو الملمح الأهم لشخصية البغدادي، الذي تنقل بين وعي وآخر، ليستقر على إيمانه بالتنوير طريقاً للحياة، وبحرية الإنسان، وحقه المطلق في العيش الكريم.

لقد استطاع البغدادي، عبر أبحاثه العلمية المنشورة وكتبه المطبوعة وكتاباته الصحافية، أن يؤكد على صوتٍ فكري كويتي عربي إنساني حر وعصري، يؤمن بالحوار، ويواجه الحجة بالحجة، ويعلن آراءه وقناعاته صريحة واضحة، دون خوف أو ممالأة، ودون الدخول في حسابات شخصية صغيرة.

لقد كان الدكتور أحمد البغدادي، رجل موقف صلب، لا يجامل في قناعته، ولا يساوم على مبدئه، ولا يدخل مصلحته الشخصية في أي موقف. لذا حاز احترام الجميع، وعاش حياته مرفوع الرأس، لا يدين لأحد بولاء، ولا يستجدي من أحد منصباً أو خدمة.

إن اقتران سلوك الإنسان بقناعاته شيء مهم، يجلب احترام وتقدير الآخرين، لكنه بالرغم من ذلك، غدا أمراً نادراً في زمننا الراهن، وطغى على الحاضر تلون أصحاب الفكر والكلمة، وميلهم حيث تميل مصالحهم وأهواؤهم الشخصية، لذا يُحسب للدكتور أحمد البغدادي، صلابته في تبني موقف فكري واضح وجلي، وصلابته في الدفاع عنه، وصلابته في البقاء عليه، ما دام مقتنعاً بصحة ذلك المبدأ.

إن غياب مفكر بقامة الدكتور أحمد البغدادي، لهو غياب كبير يصعب تعويضه، لكنها سنة الحياة في بني البشر، وليس لنا إلا أن نقول: "لك الرحمة الواسعة يا أبا أنور، ومثواك الجنة".