لحظة بدأت بكتابة المقال، كان عليَّ أن أختار عنواناً بين: عام مضى، أو عام جديد، ولأنني متفائل بطبعي، ويهمني أن أبقى محتفظاً بتفاؤلي ما حييت، فضّلت أن يكون العنوان «عام جديد».

Ad

دائماً تسكنني فكرة مأزق وظلم الحياة الإنسانية، في كونها تُعاش مرة واحدة، وأن اللحظة التي نحيا بحلوها ومرها لا يُكتب لنا إمكانية إعادة تمثيلها، ولا يمكننا، بأي شكل من الأشكال، التنصل أو التخلي عن وجود عشناه، بمعنى نكراننا لحدث لحظة بعينها، بعد أن دُفعت فاتورتها الباهظة. وبهذا تكون الحياة قاسية، تجربة أولى لكنها أخيرة، لا يمكن تفاديها ولا يمكن تكرارها. متى ما خطا الإنسان وفتح نافذة حدث الحياة، فعليه أن يحتمل ما يمكن أن يحمل له الجو في الخارج. قد يكون ما يأتي من النافذة هواء عليل، وقد يكون صقيعاً قارصاً، أو وابلاً من رصاص قاتل. سر الحياة يكمن في إن نافذتها، وفي غالب الأحيان، لا تظهر ما تخبئ خلفها. وأن فتح نافذة العيش، هو الحياة وهو المغامرة وهو المخاطرة وهي العمر.

عام مضى، أيام سارت بغطرسة عجلتها الدائرة، ما استوقفها فرح ولا حزن، ولا التفتت لصراخ أو زغاريد، ولا عناها كسب أو خسارة. وكديدنها ظلت الشمس، تشرق كل صباح، ولسان حالها يقول: يوم جديد، حياة جديدة، ولكل أمرئ شأن يعنيه.

الحياة لا تمنح سرها لأحد. لا شيء فيها ثابت إلا كونها متغيرة، وكون الموت، بتنوع كؤوسه ومفاجآته، هو خاتمة الوجود الإنساني. وربما إخفاء الحياة لسرها، هو أجمل ما فيها. فالأمل مخبّأ في جيوب اللحظة القادمة. وأمتع اللحظات هي لحظة لم نعشها بعد. وكم رددت أمي، يرحمها الله، على مسامعي قولها:

«يكبروا الصغار ويعمروا الديار».

نعم التعمير هو الحياة. تعمير العلاقات الإنسانية بالحب والتسامح، تعمير الوضع المادي والاجتماعي الخاص بطموح كل إنسان، وتعمير اللحظة الماثلة بفرح وتفاؤل يعين على الحياة نفسها، وأخيراً تعمير اللحظة الراهنة، بالعمل لتأمين مستقبل أجمل، يأخذ البعض إلى شاطئ الأمان.

عام مضى، بغيابات مؤلمة تدمي القلب، وولادات تحمل الأمل. عام مضى بوجع موحش، وشيء من متع قليلة عابرة. وها هو عام جديد على الأبواب، ليلة رأس سنة قادمة، تبشر بميلاد عام جديد، سيحتفل البعض باستقباله حتى ساعات الصباح الأولى، وسيمر على البعض كأي فجر يهلّ. وقد سألت مرة أحد الأصدقاء:

«كيف ستحتفل بليلة رأس السنة؟».

وبعد برهة سكوت، ردَّ عليَّ بقوله:

«سأنام مبكراً بعض الشيء، كي استيقظ نشيطاً في أول أيام السنة الجديدة».

عام جديد، يطلّ برأسه وسط عالم متلاطم بأحداثه، ووسط وجودنا كبشر نشارك الآخر وجوده على كوكب الأرض الصغير. عام جديد، يحمل آمالاً عراض بأفراح قادمة، نأمل لها أن تتحقق، ويحمل مخاوف نتمنى أن نتمكن من تفاديها. لكن، أياً كان الذي سيأتي، فليس لنا من بدٍّ في استقباله ومعايشته، لذا حبذا لو اقتربنا من نافذة حياتنا، والتفاؤل يعمر نبض القلب.

كل عام وأنتم بخير... آمين