منذ يومين، كنت في حديث مع أحد الأصدقاء المهتمين بالشأن العام، ممن يحاولون هو ومجموعة من رفاقه القيام بعمل وطني أرادوه مختلفاً عن السائد، وكان منهمكاً في شرح لي الخطوات التي قاموا وينوون القيام بها، حتى توقفنا أنا وهو عند نقطة أثارت انتباهنا وتفكيرنا.

Ad

يقول صديقي إنه في أثناء سعيهم إلى إنجاز وتحقيق مشروعهم الوطني، حاول أحد الشيوخ من أبناء الأسرة الحاكمة، التواصل معهم ودعمهم في ما يسعون إليه، ويضيف بأنه لم يبدر من هذا الشيخ سوى كل خير، وأنه لم يطلب أي شيء منهم، وأنه أبدى استعداداً تاماً لدعمهم في كل ما يريدون، إلا أنهم، والحديث لايزال لصديقي، وبالرغم من ذلك شعروا بالقلق والتحسس من التعاون معه، فآثروا البقاء بمنأى عنه!

هذه الحكاية التي استوقفتنا، ليست سوى مثال على حالة أشعر بأنها قد صارت متكررة بل سائدة، إذ يوجد هناك اليوم حالة من القلق وعدم الاطمئنان و»الاسترابة» (الارتياب الدائم) الدائمة من التعاون أو التعامل مع أي من شيوخ أبناء الأسرة الحاكمة، وأغلب من أعرف، إن لم يكن كلهم، ممن ينشطون في العمل السياسي، صاروا يؤثرون البقاء بعيداً عن التعامل مع أي من الشيوخ، خشية أن يقال إنهم يأتمرون بأمره أو أنهم من المحسوبين عليه. صحيح أنه لاتزال هناك مكانة وتقدير للشيوخ في نفوس الكويتيين، لطبيعة مجتمعنا، وأن هناك تزاوراً معهم وتوجيباً لمكانتهم، إلا أن هذا بعيد عما أتحدث عنه، والذي هو الجزئية التي تتعلق بالإقبال على التعامل معهم سياسياً.

هذا الوضع السيئ وغير الإيجابي ولا شك، بما يصفه من حالة متزايدة من النفور والتباعد ما بين الشيوخ وفئات من الشعب على صعيد العمل السياسي، وقد يتجاوزه إلى غيره، لم يأتِ من فراغ ولم يتكون هكذا اعتباطاً، بل هو قائم على مسببات تراكمت وتزايدت في السنوات الأخيرة.

كثرة الحديث عن الصراعات الداخلية في الأسرة الحاكمة، وهي التي ما عادت شيئاً خافياً، بعدما وصلت إلى حد التناطح على صفحات الجرائد وفي مواقع الإنترنت وغيرها، وكثرة ضلوع بعض من أبناء الأسرة في قضايا شعبية بشكل سلبي مستهجن، كقضايا الرياضة مثلاً، وربط أسماء بعض آخر منهم في قضايا فساد وانتفاع غير مشروع، ودخول أسماء أخرى كذلك كأطراف محركة بل مؤججة للصراعات السياسية التي لا تكاد تتوقف أخيراً، وغير ذلك من الأمور، كل هذا رسم صورة قاتمة عن واقع تصرفات الشيوخ وعن نواياهم وما يجول في أنفسهم، وعن موقعهم من هذا الهيجان السياسي الذي يجري، لينتهي أغلب الناس إلى تفضيل الابتعاد عنهم وعدم مد اليد للتعامل معهم إلا على مضض!

أطرح هذا الأمر اليوم ليس لمجرد الإشارة إلى شيء أظنه ما عاد خافياً، بل من باب استشعار القلق الشديد من وجود هذه الحالة غير السوية لا شكلاً ولا مضموناً، وتزايد هوتها مع مرور الأيام، وذلك في بلاد يقوم دستورها على أساس أن الحكم متوارث في أبناء هذه الأسرة، أو في فرع منها لأكون أكثر دقة!

لهذا أقول إن الأسرة الحاكمة بحاجة إلى مواجهة هذا الأمر بجدية، وعدم تجاهله من باب عدم استشعار كل طرف فيها لمسؤوليته المباشرة، بل هي مسؤولة ككتلة واحدة لا نفرق بين أفرادها نحن أبناء الشعب، عن المسارعة إلى إعادة ترميم صورتها شعبياً، لاستعادة الاطمئنان والثقة بأبنائها، لما لهذا الأمر من خير كبير سينعكس إيجابا لمصلحتهم ومصلحة الناس وللمصلحة العام، سواء اليوم أو للقادم من الأيام، والتي هي دوماً حبلى بكثير من المفاجآت وقد رأينا هذا رأي العين وبشكل متسارع أخيراً.