للراحل أحمد الربعي عبارة جميلة كان يقولها لطلبته كلما رأى منهم حماسا للتغيير دون التفكير بعواقب هذا التغيير وسلبياته، إذ كان يحذرهم من الاندفاع نحو «تغيير ما هو قائم دون التفكير بما هو قادم»، أي من التغيير لمجرد التغيير، كراهية بوضع قائم وثقة مطلقة بروعة وضع قادم!

Ad

هذه الأيام، تزداد المطالبات من قبل النواب والناشطين السياسيين بضرورة وجود رئيس وزراء شعبي منتخب من عامة الشعب، رئيس لا رغبة له بإمارة مستقبلية ولا يسخر أجهزة الدولة تحضيرا لمثل هذا الأمر، وأن من حق أي مواطن أن يكون له فرصة الوصول إلى هذا المنصب، زاعمين أن ذلك لا يتعارض مع مواد الدستور ولا يعد انتقاصا من أسرة الحكم التي يكن لها الجميع التقدير والاحترام، وأن الأمر مجرد مشاركة في الحكم وإصلاح للوضع السياسي المتأزم نتيجة سوء الإدارة وعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، والمكان المناسب هنا هو رئاسة مجلس الوزراء، أما الرجل المناسب فمتوافر وبكميات هائلة في الشعب، «شعبنا ما غيره»!

وإذا ما حدث هذا، أعني تولي أحد المواطنين منصب رئاسة الوزراء، فسوف تنتهي مشاكلنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية- هكذا زعموا- لنصبح الشعب الأكثر سعادة على وجه الأرض، وتصبح حكومتنا هي الأكثر إبداعا وإنجازا بين حكومات العالم، وينتهي الخصام المتبادل بين الحكومة والمجلس، ونرى النواب يتبادلون الأحضان والقبلات بدل «العصي والعقل والشلوت»، وعلينا جميعا أن نؤمن بواقعية تطبيق هذا الأمر لأن المصدر- تياراتنا السياسية- موثوق من حكمته ورؤيته المستقبلية، فهو نفس المصدر الذي وعدنا بمستقبل جميل حين طالب بفصل ولاية العهد، وتقليص الدوائر الانتخابية كحل للمشاكل السياسية، فهل ترون أي مشاكل سياسية لدينا اليوم؟!

صدقوني أنا كغيري أتفهم التذمر والإحباط الحاصل من أداء الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة، وهو أداء أقل ما يقال عنه أنه دون مستوى الطموح ومخيب للآمال، وأن الرغبة في التغيير تكاد تكون اليوم حالة عامة، البعض يريد تغيير الأشخاص وآخرون يريدون تغيير النهج والطريقة والأسلوب، فالتشاحن المستمر بين النواب والحكومة أصبح جالبا للهم والاكتئاب، والأمل صار مفقودا في حدوث أي توافق مستقلبي بين الطرفين، لكن، هل الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة سيكون في سحب المنصب المحتكر منذ نشأة الدولة في الأسرة الحاكمة وتسليمه إلى عامة الشعب؟ وهل الخلل الذي نعايشه اليوم سببه أسرة الحكم أم تشترك به مع الشعب؟ وهل سياسات التنفيع والمحاصصة والمحاباة والفساد بكل أشكاله التي اتسمت بها الحكومات الأخيرة نابعة من علة حكومية أم انعكاس لعلة شعبية؟!

رئيس وزراء شعبي! هكذا يريد القوم إذن، حسنا، سأسايركم وأتخيل كيف ستسير الأمور، ستجرى انتخابات عامة يتم من خلالها انتخاب الرئيس، وعلى الأرجح، سيكون الفائز قبليا أو إسلاميا، إن كان قبليا، فقياسا على ما يقوم به النواب القبليون سيتم «تدليع» أبناء قبيلة الرئيس آخر دلع، وسوف تكون لهم الأولوية في كل شيء على حساب الآخرين، مناصب وترقيات ومكافآت وتوصيات وأولوية القبول في المعاهد والجامعات والعلاج في الخارج... إلخ، ولا تقل لي إنه لن يفعل، سيفعل كل هذا وأكثر وفاء لمن جعله في المنصب، أما إن كان إسلاميا فالكارثة أدهى وأمرّ، فإلى جانب ما سيقوم به «للإخوة» من الجماعة، سوف تتحول الكويت في عهده الميمون إلى فرع مطور لجماعة «طالبان» سعيا وراء تطبيق الشريعة حسب منظوره ومفهومه الخاص لها، وسوف نخسر كل مكاسبنا السياسية ويتحول دستورنا الجميل بنفوذ رئيسنا «الشعبي» إلى قيود وسلاسل وأغلال تلفنا من كل جانب، لنندم وقت لا ينفع الندم!

أغرب ما في الأمر، أن معظم المطالبين بانتخاب رئيس شعبي هم ممن أرادوا حل مجلس الأمة وإعادة الانتخابات بسبب سوء اختيار الناخبين لأعضاء المجلس، مرددين أن المجلس أصبح في جيب الحكومة لكثرة «البصامين» الذين يأتمرون بأمرها!

عجيب... إن كان الناخبون غير قادرين على اختيار أفضل المرشحين لعضوية مجلس الأمة، فكيف سيكون اختيارهم لرئيس الوزراء برأيكم؟! سيستخدمون بلا شك نفس المقاييس القبلية والطائفية والفئوية رغبة في زيادة المنافع والمصالح الشخصية، إنه رئيس وزراء أيها السادة «مش» نائب في مجلس الأمة، لذلك سيتكاتف جميع أبناء القبيلة والطائفة لإنجاح هذا المشروع الحيوي والمهم جدا لأبنائها!

لنهدأ قليلا، ولنستمع إلى تحذير الراحل أحمد الربعي من مغبة «تغيير ما هو قائم... دون التفكير بما هو قادم»، ولنحسب حساب كل أمر دون حماس وتهور غير محمودين، فمهما كان ما يجري اليوم سيئا، فإن القادم أسوأ إن فتحنا على أنفسنا أبواب الفتن القبلية والطائفية، وليس هناك من بوابة تدخل منه هذه الفتن كبوابة رئاسة الوزراء «الشعبية»!