قام مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل ثلاثة عقود، وكان قيامه لسبب أمني: لمواجهة تداعيات الحرب العراقية– الإيرانية، ولكن مرور كل هذا الوقت على تأسيسه أوجد استحقاقات عدة أخرى، منها ما هو أمني أيضاً ومنها ما هو اجتماعي اقتصادي ومنها ما هو سياسي، ودخلت «تطلعات شعوبه» ضمن قاموسه السياسي وأدبياته، ووصل المطلب الشعبي إلى حد التطلع للمواطنة الخليجية الكاملة.

Ad

ومازال الهاجس الأمني الشغل الشاغل لمسؤوليه– كما هو همّ المجتمع الدولي– فمنطقة الخليج العربي كمنطقة الشرق الأوسط التي هي جزء منها، لا تخرج من حرب إلا لتدخل أخرى... ومازال الهاجس الأمني حبلاً على غارب! وسباق التسلح في المنطقة لا يعدله إلا السباقات الرياضية، واهتمام أهل المنطقة بها!

وفي تقديرنا لو كان الوضع طبيعياً وهادئاً في منطقة الخليج العربي، لكان من الطبيعي ألا يستعجل أحد في بناء وحدته، فالاتحادات التاريخية الطبيعية تحتاج إلى وقت طويل لتنمو وتتصاعد، فالاتحاد الأوروبي– مثلاً– احتاج إلى عقود عديدة لينمو، رغم وجود التهديد السوفياتي والوجود العسكري الأميركي على أراضيه، ومازلنا نرى أن «الطماطم» الإسبانية ينثرها على الأرض الفلاحون الفرنسيون لأنها تنافس محصولهم، كما أن «الأعناب» الفرنسية تتعرض للمصير ذاته على يد المزارعين الطليان لمنافستها محاصيلهم! ومازالت الوحدة الأوروبية قائمة، وهي تتوسع شرقاً، وتناقش إمكانية انضمام تركيا إليها.

وهذا يمكن أن يحدث في أي بناء اتحادي، وعلى العرب إدراك ذلك عندما يشرعون في بناء وحدة عملية لا «عاطفية»!

ولكن هذا شيء... وأن تتعمد السلطات «الرسمية» عرقلة القرارات الاتحادية شيء آخر، فعندما يتقرر– اتحادياً– معاملة مواطني «الاتحاد» معاملة متساوية في النشاط التجاري، أو معاملة «الشركات» الوطنية بالمثل، وهذا من قرارات المجلس الأعلى لدول الخليج العربية الحادي والثلاثين الذي انعقد برئاسة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فمن غير الجائز أن تعرقل أي جهة رسمية في دولة منضمة إلى المجلس قرارات عليا كهذه، علماً أن مواطنيها لا يمانعون في منح شركائهم من الدول الأخرى في «الاتحاد» أي امتيازات، فالسوق الخليجية المشتركة كانت قائمة عملياً قبل الإعلان رسمياً عن قيام مجلس التعاون، فمملكة البحرين– مثلاً– كانت تطبق، بالنسبة لكل مواطن خليجي، مبادئ «السوق المشتركة» منذ زمن حاكمها الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وعلى ذلك قس.

والغريب، فمواطنو دول المجلس غير راضين عما تم إنجازه في مسيرة مجلسهم، وهم يقولون إنهم لا يلمسون أثراً لتلك المنجزات في حياتهم، رغم أهميتها في المرحلة الراهنة، حيث لا نجد تجمعاً عربياً آخر ينعقد كل سنة، وكما في مجلس التعاون كل ستة أشهر، إذا أخذنا في الاعتبار القمم التشاورية نصف السنوية لدول المجلس.

إن المواطنين الخليجيين غير راضين، وغير مكتفين بإنجازات مجلسهم، ربما لأنهم عاشوا قبله تلك الحالة التي أشرنا إليها من الوحدة الطبيعية العفوية غير المقننة في المنطقة.

أما ما أصبح اليوم مطلب الساعة في كل بلد من بلدان مجلس التعاون فهو «الإصلاح» المتضمن لمبدأ المشاركة، خصوصاً أن حالة الرخاء الاقتصادي التي تعيشها شعوب المنطقة قد أوجدت «طبقة وسطى» لابد من أخذها في الحسبان بالنسبة لمستقبل المنطقة السياسي.

ونرى أن «برنامج الإصلاح» في المملكة العربية السعودية أكبر أعضائه، يكاد يطير على جناحين منذ أن تولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وذلك بناءً على التراكمات الكمية– من اجتماعية وسياسية وثقافية– التي شهدها المجتمع السعودي وتحققت في عهود إخوانه وأسلافه من أبناء الملك عبدالعزيز، مؤسس الدولة وبانيها. هكذا فإن بناء الدولة وإصلاحها يتمان في زمن تاريخي واحد، فلا إصلاح يعتمد مشاركة الناس، دون دولة قوية البنيان تحتضنه.

وفي دولة الكويت، تسير التجربة الديمقراطية، منذ أن أطلقها عبدالله السالم رحمه الله، وكما في أي ديمقراطية في العالم فإنها لا تخلو من بعض العثرات، ومن الجدير بالمقارنة أن حدثين متشابهين تقريباً وقعا، من ناحية في أعرق ديمقراطية في العالم، وهي الديمقراطية البريطانية حيث اصطدمت الشرطة بطلبة الجامعات المحتجين على رفع الرسوم الجامعية، ومن ناحية أخرى في دولة الكويت التي تحتضن أعرق ديمقراطية في عالمنا العربي، الأمر الذي يدل على أن مثل ذلك يمكن أن يحدث في أي ديمقراطية. (وبعدما حدث في لندن ومدن بريطانية أخرى، وبعد مهاجمة سيارة ولي العهد البريطاني وزوجته، فإن بريطانيا لم تعد في موضع لتقديم الدروس للآخرين وعليها إصلاح بيتها الذي أصبح من زجاج!).

أما «الإصلاح» المكتمل في ضوء التجربة– والمطروح حالياً كنموذج يحتذى- وإن كانت البحرين تعلن بجدية أنها وحدها معنية به- فهو مشروع الإصلاح الشامل الذي تسير عليه مملكة البحرين برعاية ملكها حمد بن عيسى آل خليفة الذي يطبق مشروعاً للإصلاح الشامل، وافتتح أول أمس الفصل التشريعي الثالث بعد انتخابات لم تُسمع عنها أي شكاوى من المرشحين غير الفائزين، مما يهيئ جواً مناسباً للاحتفال بالعيد الوطني لمملكة البحرين التاسع والثلاثين غداً، هذا بعد أن أصدر رئيس مجلس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بيان الحكومة بشأن التزامها بشرعة حقوق الإنسان.

والواقع أن أربعاً من دول المجلس الست، احتفلت أو تحتفل بيومها الوطني في هذه الفترة، وهي بالإضافة إلى مملكة البحرين دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، وسلطنة عمان.

وفيما يتعلق بالتوجهات الخليجية للإصلاح، فإن التجربة الاتحادية بدولة الإمارات العربية المتحدة، أعني تجربة بناء الدولة الواحدة التي أقامها قائدها التاريخي زايد بن سلطان آل نهيان على أساس «الاختيار الحر»، وتجربة التطوير والإصلاح تسيران حالياً جنباً إلى جنب، بينما تشهد دولة قطر انفتاحاً تعليمياً وإعلامياً في ظل دستور متقدم من المنتظر تفعيله قريباً، أما سلطنة عُمان التي يقود النهضة فيها السلطان قابوس بن سعيد، فإنها تشهد تطويراً عميق الجذور من شأنه أن يمهد موضوعياً للمشاركة الشعبية المرتقبة في ظل مؤشرات باتجاه التوجه إليها، حيث يعتبر الشعب العماني من أعرق الشعوب الخليجية والعربية حضارة ووعياً واستعداداً للتطور والإصلاح.

من ناحية أخرى، وضمن مشروعات الإصلاح، فإنه من الحكمة عدم التظاهر بخلو بلدان الخليج من مظاهر الفساد، فظاهرة الفساد ظاهرة عالمية، وثمة آليات متاحة لابد من اعتمادها لمحاصرة هذه الظاهرة، ولن يكتمل «الإصلاح» في أي بلد إلا بحصر الفساد فيه!

* مفكر من البحرين