رئيس قسم الشريعة الأسبق د. نبيل غنايم: لعرض المرأة نفسها للزواج من الرجل ضوابط شرعيّة

نشر في 02-09-2010 | 00:00
آخر تحديث 02-09-2010 | 00:00
د. محمد نبيل غنايم أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية الأسبق في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، أحد العلماء المهتمين بقضايا المرأة واستقرارها الأسري والاجتماعي، له مؤلفات حول قضايا المرأة المسلمة، وتصبّ آراؤه في إطار التأصيل الشرعي لحقوق المرأة المسلمة وقضاياها التي يجب أن تعرفها كيلا تكون فريسة سهلة أمام المتربصين بها وبمقدرات أسرتها.

«الجريدة» قاربت آراء د. غنايم في قضايا المرأة والأسرة وذلك عبر الحوار التالي.

في مقارنة سريعة بين التكريم الإسلامي للمرأة والمعاملة الحالية لها في المجتمعات المعاصرة ماذا تقول؟

كرّم الإسلام المرأة بالتوصية لها والحنو عليها، فيما الغرب استخفّ بها وأهانها فضاعت حقوقها وتضاعفت واجباتها، وقد فرض الله عزّ وجلّ على الرجل الإنفاق على المرأة وتحمّل المتاعب عنها، فلها على زوجها مهر ونفقة مأكل ومسكن وملبس وكل مؤن الحياة، بل ونفقة الخادم وأجر الرضاعة عند الانفصال.

لم يمنع الإسلام عمل المرأة، كما يزعم كثر، لكنه وضع لها الضوابط التي تكفل حمايتها حيث يقول سبحانه وتعالى: «من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون».

نظراً إلى طبيعتها الجسدية والنفسية، لا يمكن أن تنافس المرأة الرجل في الأعمال كافة لا سيما الشاقة، إذ يستحيل عليها تحمل مسؤولياتها، في المقابل يمكنها الإجادة في أعمال معينة يصعب أداؤها على الرجل.

يزعم الغرب أن المجتمعات العربية والإسلامية أضاعت حقوق المرأة وحرمتها من المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، ما تعليقك؟

الزعم بأن المجتمعات الإسلامية أجهضت حقّ المرأة المادي وحقها في المشاركة الاقتصادية كذب وافتراء، فعمل المرأة ليس محرّماً في الشريعة الإسلامية، وثمة نساء مسلمات، اليوم، يكسبن مالا وفيراً من عملهن، كذلك كانت الحال منذ ظهور الإسلام الذي أعطى للمرأة من الحقوق ما لم تجده أي امرأة في الأديان الأخرى ولا في القوانين والمبادئ الوضعية، أبرز دليل على ذلك أن النسبة الأكبر من الذين يدخلون الإسلام حديثاً هم من النساء لأنهن وجدن فيه الحامي الأكبر لحقوقهن.

مهما زعم الغرب بأنه أنصف المرأة وكرّمها فلن يبلغ تكريم العلي القدير لها، فرض الله للمرأة في الإسلام حقوقاً كثيرة، وبعيداً عن محاولات الغرب المكشوفة لدفع المرأة المسلمة إلى الخروج من عباءة الإسلام باستخدام مصطلحات مطاطة، نقول له: «أليس تعريف التنمية من وجهة نظركم هو العمليات التي يمكن عبرها توحيد جهود المواطنين وولي الأمر لتحسين الأحوال المعيشية في المجتمع، وهو ما يؤدي بالتالي إلى تقدمها؟ ألا يشكل دور المرأة في منزلها، إذا كان زوجها قادراً على نفقات المعيشة، جهداً ضخماً ومطلوباً لتنفيذ مخططات التنمية كما يعرفها الغرب؟»

وكيف يمكن أن تساهم المرأة المسلمة في بناء المجتمع وتنميته وهي جالسة في بيتها؟

عبر الكلمة الطيبة للزوج والتربية الحسنة للأبناء، هكذا يمكنها أن تقود المجتمع إلى ما يساهم في نهضته، وأن توجه طاقاتها نحو ما يرضي الله عزّ وجلّ، وتعطي من دون أدنى قيود من المجتمع طالما هي قادرة على العطاء وفق القوانين الربانية التي تتيح لها العمل حسب ما يوفر لها الإسلام من أدوات لتحقيق النجاح المطلوب، سواء داخل أسرتها أو خارجها، على أن يكون قاموسها ذات مرجعية دينية، عندها ستعمل وفق المنهج الرباني المنزه عن الخطأ وليس وفق الأهواء البشرية الخاطئة والمضللة والتي يحاول أعداء المسلمين تصديرها إلينا تحت مسميات براقة تحمل الخير في الظاهر فيما تحمل الشر في الباطن.

انتشرت بين طلاب المدارس والجامعات في العالم العربي ظاهرة الزواج السري فما حكمه في الشرع؟

الزواج السري الذي ظهر في مجتمعات مسلمة معينة بين شباب المدارس والجامعات ليس بنكاح صحيح وليس زواجاً شرعياً بل زواج فاسد. لا توجب الأنكحة الفاسدة بمفردها شيئاً لأنها عقود باطلة، فهي كالبيع الباطل وهو مردود.

لا يثبت للزواج السري، كغيره من العقود الفاسدة، أحكام النكاح الصحيح بل له أحكام خاصة، وأول أحكام النكاح السري هو التفريق، فإن كان قبل الدخول فلا يترتب عليه أثر بمعنى أن الزوجين، إذا افترقا قبل الدخول، فلا عدة على الزوجة ولا مهر لها ولا يثبت حرمة المصاهرة ولا النسب ولا يتوارثان لو مات أحدهما، فإن كان التفريق بعد الدخول في الزواج السري فإنه يترتب عليه بعض آثار الزوجية فيثبت المهر وتجب العدة ويثبت النسب وتثبت حرمة المصاهرة، ولا يثبت بالزواج السري إحصان ولا فيه لعان إلا إذا كان بينهما ولد يريد الزوج نفيه عن نفسه لكون النسب لاحقاً به، ولا يثبت التوارث ولا تحلّ المرأة للزوج المطلق ثلاثاً بالوطء فيه ولا يثبت الإيلاء ولا ظِهار ولا طلاق فيه، إنما يجب الفسخ والتفريق بين الزوجين.

ما الفرق بينه وبين الزواج العرفي؟

الزواج العرفي هو مجرد ورقة يتم كتابتها بين رجل وامرأة أو شاب وفتاة بغرض المتعة فحسب، أما الزواج السري ففيه جزء كبير من النكاح كالعقد وغيره، إلا أن عقده فاسد لافتقاد الولي والإشهار والأهلية، ويجب التحذير من هذا النوع من الزواج لأنه يجلب خراباً على المجتمع.

تعاني مجتمعات عربية من انحدار أخلاقي تحولت فيه المرأة إلى مجرد متعة زائلة، فما أسباب هذه الظاهرة؟

ثمة عوامل كثيرة تتداخل في ما بينها وتؤدي إلى الانحلال الأخلاقي، وهي تتعدى سيطرة الفضائيات الغربية على عقول شبابنا وفتياتنا لتطاول نواحٍ نفسية وضعف الإيمان بالإضافة إلى تفكك الروابط الأسرية والحرمان الجنسي الذي كانت العوامل الاقتصادية سبباً رئيساً فيه، الهوس الغرائزي الذي يستوجب ضرورة مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي، لأن الزنى من أخطر الجرائم التي تهدد أمن المجتمع واستقراره.

حرّم الإسلام كل ما يؤدي إلى مثل هذه الجرائم على غرار: النظر، الاختلاط، التبرج، ووضع تشريعاً وقائياً يتجلى فيه الحرص على صيانة الأمة من المهالك والانحرافات، لأن الله عز وجل يعلم أن هذه الجرائم تسبب إهانة للمجتمع وتهدر كرامته. من هنا لا بد من تنظيم حملات توعية دينية تعمل على تقوية الإيمان في النفوس والابتعاد عن المثيرات والشهوات التي أصبحت تملأ الشوارع، والتركيز على أن من سمات المجتمع المسلم أنه مجتمع عفيف، وعندما يدخل إلى هذا التكوين الرباني عناصر غريبة ومفسدة تحدث عدم توازن فيه.

تحاول دول عربية سن قوانين لمنع زواج القاصرات وتحديد سن الزواج حفاظاً على الكيان الأسري، فكيف تنظر إلى هذه القضية؟

تؤكد القاعدة الفقهية على أنه لا ضرر ولا ضرار، ما دام سينتج عن هذا الزواج أضرار اجتماعية ونفسية وبدنية للطفلة فهذا لا يجوز شرعاً، كما أن مبدأ درء المفاسد مقدّم على جلب المنفعة بحكم ذلك الزواج الذي لا يوجد من ورائه سوى المفاسد بشتى صورها.

لا تكون للفتاة دون الثامنة عشرة إرادة ووالدها هو ولي أمرها ولا يجوز عقد قرانها قبل بلوغها سن الرشد الذي حدده المشرع والقانون.

ثمة مبررات لمنع تزويج الصغيرات في مقدمها الحفاظ على مصالحهن كقاصرات، توفير الحماية والرعاية لهن، درء المفاسد والأضرار عنهن انطلاقاً من القاعدة الشرعية: «حيثما كانت مصالح العباد فتم شرع الله».

تجاهل المتحمسون لزواج القاصرات الشروط والأحكام الشرعية المشددة في إباحة زواجهن، ولم يبينوا تلك الشروط والأحكام إبراءً لذممهم من المخالفات التي ترتكب في حقهن.

لا بدّ من تذكير هؤلاء المتحمسين بأن الفقهاء الذين أباحوا تزويج الفتاة القاصر وضعوا شروطاً مشددة هي اعتراض ضمني يرى أن الأصل هو زواج البالغة الراشدة والاستثناء هو زواج القاصر.

كل ذلك يؤكد أن زواج القاصر جرم في حق المجتمع يجب محاصرته ومعاقبة مرتكبيه، كذلك يجب سن تشريعات وقوانين في عموم الدول العربية والإسلامية تمنع زواج القاصرات، وتفرض استخدام قوة القانون في حماية الطفولة، تحقيق مصالح الفتيات القاصرات، درء المفاسد والأضرار عنهن نتيجة المخالفات والتجاوزات التي ترتكب في حقهن، وتتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة وأهدافها.

مع تراجع الإقبال على الزواج وارتفاع نسبة العنوسة في الوطن العربي هل يجوز للمرأة أن تعرض نفسها للزواج من الرجل في حال وجدت فيه المؤهلات المطلوبة لأن يكون زوجاً مناسباً؟

دفع ارتفاع نسبة العنوسة الفتيات إلى البحث بأنفسهن عن الزوج المناسب بعد فشل الأسرة في هذا الأمر، لكن لا بد للفتاة، وهي تلتمس الحصول على عريس مناسب، من أن تدرك أن الإسلام حريص على الحفاظ على كرامتها، لهذا ألزمها بأن تعمل على حفظ نفسها وصيانتها، من هنا لا يليق بالفتاة أن تعرض نفسها على الرجال بهذه الصورة التي نسمع عنها ونشاهدها في برامج الفضائيات وما يعرف باسم دليل الزواج الذي لا ينجم عنه سوى علاقات غير سوية قد تجرّ الفتاة إلى السقوط في الرذيلة، ويعتبر تخطي الأبوين من المسائل التي لا تحمد عقباها...

عادة الشاب هو الذي يبحث عن زوجة، ولا مانع من أن يبحث الرجل عن زوج صالح لابنته أو لأخته، لا سيما أن عرض الرجل ابنته أو أخته على الرجل الصالح كان من سنن السلف، لكن لا يجوز أن تعرض المرأة نفسها. لا داعي للاستدلال بأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث التي وهبت نفسها زوجة للرسول عليه السلام في هذا الأمر، فرسول الله (صلى الله عليه وسلم) له خصوصيات.

كذلك على الفتاة المسلمة ألا تلجأ إلى عرض نفسها بصورة مبتذلة، يمكنها المساهمة في حلّ مشكلة عنوستها بأن تكون عاملاً مساعداً في تيسير الزواج وتسهيله، فمثلاً قد يطلب الأهل مهراً عالياً وثياباً وذهباً وقد يصل الأمر إلى طلب خادمة في بعض المجتمعات ونحو ذلك، هنا ينبغي أن تكون الفتاة المسلمة المتدينة عاقلة، فتقنع أهلها بعدم جدوى هذه الطلبات، خصوصاً إذا لم يكن الرجل مقتدراً إنما سيستدين للوفاء بهذه الطلبات.

ينبغي على الفتاة المسلمة أيضا أن تشغل نفسها بدعاء الله أن يرزقها زوجاً صالحاً، فذلك عبادة، بدلاً من أن تضيع الوقت في اللهاث وراء الأوهام التي تسوّقها الفضائيات وغيرها ممن يلعبون على وتر حاجة النساء والرجال للزواج.

هل توافق على إتمام الزواج عبر وسائل الإعلام والإنترنت؟

يجب وضع شروط واضحة ومحددة للقول بصحة وفعالية الزواج عبر وسائل الإعلام والإنترنت، فالإنترنت من وسائل الاتصال الحديثة التي جعلت العالم كأنه قرية صغيرة، بالتالي إذا توافرت، عبر الإنترنت، أركان الزواج الشرعية، بمعنى أن يكون الخاطب أو المخطوبة من بلد والطرف الآخر من بلد آخر واجتمع أولياء الطرفين أو أقاربهما حول الجهاز، ويتم الإيجاب والقبول، بحضور الجميع وشهود عدول فلا بأس بذلك، مع استيفاء المهر والإشهار، كما يتم الزواج عن طريق التوكيل أو العريس المسافر، أو يتم الزواج من الفتاة عبر وليها وتوكيلها له.

أما ما يحدث من اتصالات بين الشاب والفتاة وحدهما من دون علم الأهل، وما يتم في هذا الاتصال من دردشة وتسالٍ وألفاظ ومناظر منافية للآداب، فكل ذلك لا يمتّ إلى الزواج بصلة، فضلاً عن أنه حرام وارتكاب للكثير من الكبائر.

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف بين الأزواج وهي تشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الأسري فكيف يمكن معالجة هذه الظاهرة؟

أرست الشريعة الإسلامية، بمصدريها الأساسيين القرآن والسنة النبوية، مبادئ السعادة للأسرة بجميع أفرادها، فالزواج آية من آيات الله تبارك وتعالى لتحقيق السكينة والمودة والرحمة، ولدوام ذلك وتحقيق هذه الأهداف أمر الله الأزواج والزوجات بالمعاشرة بالمعروف والبعد عن كل سوء ومنكر، وقد وصف الله تعالى عقد الزواج وما يترتب عليه من مسؤوليات بأنه ميثاق غليظ، وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال للأزواج: «استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، وقال أيضاً: «ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم» وفي المقابل أمر النساء بحسن تبعلهن لأزواجهن حين قال لوافدة النساء: «إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله»، من خلال ذلك نعلم أنه لا مجال مطلقاً لأي عنف بين الزوجين سواء من قبل الرجل أو المرأة، ولو كان ذلك العنف صغيراً كالكلمة النابية فكيف إذا كان العنف قتلاً أو إصابات بالغة في الأعضاء من أي من الطرفين؟

يتعارض العنف مع القواعد التي أرساها الإسلام في المعاشرة بالمعروف، وإذا كان الإسلام دين السلام مع كل الناس وينهى عن العدوان على أي أحد، فإن الزوجين أولى الناس بالابتعاد عن العنف لقوله (صلى الله عليه وسلم): «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وإذا كان العنف محرماً مع الناس عموماً فإن حرمته تكون أشد إذا وقع بين الزوجين مهما كان نوعه، لا سيما أنه انتشر في المجتمعات العربية بصورة كارثية تهدد استقرار الأسرة المسلمة، وهذا أمر مرفوض شرعاً وعقلاً.

إذا انتقلنا إلى محيط الأسرة الأكبر بمعنى تعامل الوالدين مع الأبناء أو الأبناء مع الوالدين نضيف إلى ما سبق أن الوالدين مسؤولان عن الأبناء مسؤولية كاملة، ولا تستقيم هذه المسؤولية ولن تتحقق إلا بحسن الرعاية والعناية وليس بالعنف والعدوان، فى المقابل أمر الله تعالى الأبناء بالإحسان إلى الوالدين وجعل ذلك من أفضل الأعمال وأحبها إليه بعد عبادته عزّ وجل، كذلك جعل عنف الأبناء نحو الآباء من أكبر الكبائر والفواحش وسمى ذلك عقوقاً، لذا لا مجال في الإسلام بأي حال من الأحوال لوقوع أي عنف بين أفراد الأسرة أو ما يسمى العنف الأسري.

كيف تردّ على من يدعي أن مهر المرأة عند الزواج يحولها إلى سلعة؟

القول بأن المهر بيع للمرأة زعم باطل لأنه تكريم للمرأة وإعزاز لها لا سيما أنها تتساوى مع الرجل في الحاجة إلى الزواج والاستمتاع، مع ذلك يدفع الرجل لها ولا تدفع له لأنها ستترك بيت أهلها وترافقه إلى بيت الزوجية، وذلك لقوله تعالى: «وآتوا النساء صدقتهن نحلة فان طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً».

ليس المهر محدداً بسقف معين حتى يكون بيعاً أو امتهاناً بل كلما كان يسيراً كان أفضل لقوله (صلى الله عليه وسلم): «أيسرهن مهراً أكثرهن بركة» وقوله لأحد أصحابه: «التمس ولو خاتماً من حديد».

وعلى من يدعي أن قوامة الرجل على المرأة نوع من الاستعباد لها؟

صوّر المتربصون بالمرأة المسلمة القوامة على أنها استعباد، لكن القوامة رعاية ومصلحة لشؤون الأسرة ومطالبها وتشاور الزوجين في كل شيء، لكن لا بد اتخاذ قرار واحد حتى تتحد المسؤوليات، ولما كان الرجل هو القيّم ماليا، كان بالتالي هو المسؤول إدارياً، وذلك لقوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم».

الرجل هو المسؤول شرعاً عن المهر وأثاث البيت والسكن كونه أكثر حرصاً على بقاء البيت وتحمّل المسؤولية، لذلك كان الأنسب أن يكون هو القيم.

تثير مسالة تولي المرأة القضاء جدلاً واسعاً في مصر والعالم العربي إلى أي مدى هي مؤهلة لذلك؟

جواز قضاء المرأة ليس جديداً، فقد أجازه الطبري وأجازته الحنفية في الأمور التي تقبل فيها شهادتها أي في مواضيع الأحوال الشخصية، أما في الحدود فلم يجيزوا لها القضاء لأنها لا تقبل شهادتها لأسباب تتعلق بطبيعتها.

بالنسبة إلي اتفق مع رأي الأحناف وأرى أنه لا حرج في أن تتولى المرأة القضاء في ما يخص الأحوال الشخصية، أما ما يثار عن أنها قد تكون في خلوة خلال جلسة للمداولة، فغالباً ما يكون أمين السر في حجرة المداولة بل قد يوجد أكثر من قاض، إذ يجلس على المنصة ثلاثة.

كذلك تعني الخلوة أن يكون الطرفان في مكان مغلق يستطيعان فيه أن يفعلا كل شيء من دون أن يصل إليهما أحد، بالتالي فحجرة المداولة ليست كذلك، ويسهل الدخول إليها من الموظفين العاملين مع القاضي ولا يكون من في داخل الحجرة بمأمن عن اقتحامها، وبالتالي ليست حجرة المداولة مكاناً لخلوة شرعية.

تختلف الخلوة الشرعية في الماضي عن الحاضر، فعلى رغم من أننا نرى أن حجرة المداولة لا تصحّ أن تكون خلوة شرعية لتوقّع الدخول إليها في أي وقت، إلا أن الخيمة المستورة في الماضي كانت بمنزلة خلوة شرعية بسبب ندرة الناس وعدم ازدحام الأمكنة، بحيث يأمن من كان داخل الخيمة ألا يقتحمها أحد عليه بسبب قلة العمران.

يذكر أن العلماء الذين رفضوا، في الماضي، تولي المرأة القضاء بسبب الأعذار التي تعتريها، وضعوا نصب أعينهم أن القاضي كان يتولى بمفرده أمر مدينة كاملة ويستقبل القضايا والمشاكل كافة، أما ونحن في عصر كثر فيه القضاة فلا حرج من تولي المرأة القضاء ما دامت قد تسلحت بالمقومات.

back to top