واقعة تعذيب المواطن محمد المطيري على يد رجال المباحث، بحمولتها من التفاصيل البشعة، كشفت ولاتزال تكشف عن وجوه وأبعاد مخيفة للواقع المرعب الذي نعيشه!

وأجزم هنا بأن هناك من سيسارع لاتهامي بالتهويل، وإعطاء الأمر أكبر من حجمه، لكني سأقول لهؤلاء بأن الأمر خطير وجلل لو كنتم تنصفون، وأكبر بكثير من كل تهويل!

Ad

ما حصل في حق المغدور محمد المطيري من جريمة مثيرة للغثيان على يد من يسمون أنفسهم برجال الأمن، لا يمكن أن ينتج إلا عن طريقين كل واحد منهما يشكل طامة كبرى وفضيحة ساحقة لوزارة الداخلية، بل للحكومة جمعاء في حال ثبوته، وأحدهما ثابت حتما ولا شك.

الطريق الأول هو أن يكون هذا النوع من التعذيب والممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية، هو من المعتاد المتبع عند التحقيق مع المتهمين في وزارة الداخلية، ولكنه هذه المرة قد طاش وزاد عن حده المقدر، فمات المتهم تحت وطأته، وهنا سنفتح عشاً مليئاً بالحشرات! كم من مواطن قامت وزارة الداخلية بتعذيبه على مر السنوات الماضية يا ترى؟ وكم من مواطن سيعذب في القادم من الأيام؟ وكم من متهم مات وقيل إنه مات بالسكتة القلبية، كما قالت وزارة الداخلية في الساعات الأولى من انفضاح جريمة قتل المواطن المطيري؟! وكم وكم؟!

والطريق الثاني هو ألا تكون هذه الممارسات المريضة إجراءً عاماً متبعاً في وزارة الداخلية، وأن ما حصل بالفعل كان حادثة فردية كما يقولون، وهنا سنفتح عشا آخر مليئاً بالحشرات! ألهذه الدرجة يسهل أن يعتقل أفراد وزارة الداخلية المواطنين والتنكيل بهم وتعذيبهم في المخافر دون وجود أي آلية للرقابة ومتابعة هذه الأفعال؟ ومن سيضمن ألا تصبح هذه الوسائل البشعة أداة لتصفية الخصومات، سواء كانت سياسية أم شخصية؟ من سيضمن ألا يكون أي مواطن كويتي، هو محمد المطيري آخر، فيقع في مثل هذا العذاب والرعب على يد حماة الأمن والنظام؟!

لن أزيد على ما قاله وزير الداخلية حين قدم استقالته تحملاً لمسؤوليته السياسية، بأنه لا يتشرف بأن يكون وزيراً لوزارة تعذب المواطنين. فبالفعل، هذه أفعال لا تشرف أحداً، والمسؤولية السياسية لا تطول الوزير وحده، بل تنزل كذلك على كل تراتبية المسؤولين عن قطاع المباحث في وزارة الداخلية، وقد كان حرياً بمجلس الوزراء قبول استقالة الوزير، اعترافاً من هذا المجلس بفداحة الجريمة، بل كان ذلك واجباً عليها، وليس إجباره على البقاء في وزارة لا يتشرف بها على حد تعبيره.

وأبعد من ذلك فإن الاستقالة المجردة لا تعني شيئاً كثيراً، سواء أكانت استقالة الوزير نفسه، أم حتى استقالة الحكومة بأسرها، فلا قيمة لهذه الاستقالات على أرض الواقع، فجريمة نكراء كهذه، قتلوا فيها إنساناً مرتين، قتلوه جسداً وروحا وقتلوا سمعته بتهمة ملفقة زوراً وبهتاناً، لا يمكن أن تمر دون محاسبات حقيقية صارمة في داخل وزارة الداخلية، ليس للمجرمين المباشرين فحسب، فهؤلاء سيصيرون إلى القضاء وسيقول فيهم كلمته، ولكن لكل المسؤولين عن هذا القطاع الذي انكشف مقدار السوء والخزي الذي يحتوي عليه.

محمد المطيري ليس مجرد رجل قتل ظلماً في حادثة فردية، إنما هو شاهد سيظل حياً شاخصاً على مقدار الفساد الذي كان مختبئاً في أروقة وزارة الداخلية التي كنا نرجو منها الأمن والأمان، وسيظل دمه يلطخ أيادي كل مسؤول قريب كان أو بعيد عن جريمة مقتله، حتى يرى الناس إصلاحاً حقيقياً ومعالجات صادقة وعقوبات رادعة لكل المجرمين.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة