ثمة لغط مكثف مقصود وواع يشبه السم الزعاف تقوم بنشره وتعميمه دوائر لا تظهر على المسرح مباشرة بالضرورة باعتبار أن ذلك جزءا من آليات «الحرب الناعمة» و»القوة الذكية»، وهي تعمل بإبداع متقن وقدرة مالية واستخبارية عالية جدا تخفي في طياتها أهدافا استعمارية- صهيونية خبيثة، عنوانه الرئيس في هذه الساعة الحرجة من حياة الأمة العربية والإسلامية برأيي هو «الفتنة».

Ad

ولما كانت الفتنة تعني من جملة ما تعني أيضا في اللغة العربية الافتتان بالشيء، ولذلك نورد جملة واحدة «فتانة» وردت في سياق جملة من محاور الحرب الفاتنة على أبناء المنطقة على لسان أحد منظري الحرب الناعمة المشهورين لعل ذلك يفيدنا في بحثنا المختصر الحالي.

يقول جوزيف ناي المنظر الأميركي المشهور في هذا السياق ما يلي: «إن الحرب الصلدة– مقابل الحرب الناعمة- تعيد جيل الشباب الإيراني إلى أحضان النظام، لذلك علينا تركيع إيران بالقوة الناعمة».

لكن هذا العنوان الرئيس هذا له عناوين فرعية كثيرة البتة لعل أهمها ما يلي:

- أن طريق السلام في المنطقة– والمقصود دائما بالطبع بين الإسرائيليين والعرب- بات ميسرا ومعبدا لولا مقاومة الإيرانيين الذين يغردون لوحدهم خارج السرب.

- أن الحوار والتفاوض بات الآلية التي يجمع عليها «المجتمع الدولي» في حل النزاعات لولا تمرد الجماعات «الأصولية الإرهابية والمتشددة» المدعومة غالبا من إيران.

- أن العرب ينتظرون بفارغ الصبر أن يأتي اليوم الذي ينتهون فيه من الصراع العربي الإسرائيلي بعدما كلوا وملوا ويئسوا من أساليب العنف المسلح، ولولا دخول إيران على خط الصراع هذا من خلال احتضانها ودعمها للمنظمات الفلسطينية واللبنانية وغيرها لكنا قد انتهينا نحن كمجتمع دولي والعرب من هذا الصراع منذ مدة طويلة.

- أن العدو الحقيقي للعرب اليوم لم يعد إسرائيل التي تفاوض الفلسطينيين- وهم أصحاب القضية الأساس- وبغطاء عربي واضح بل هو إيران الأصولية المتشددة والخارجة على المجتمع الدولي.

- أن مستقبل السلام العالمي أصبح رهن إخضاع إيران الخارجة على القانون الدولي سواء من خلال سعيها المحموم لاقتناء القنبلة النووية أو من خلال قبضتها وهيمنتها على قرار بعض دول العرب والجماعات العربية المسلحة.

- أن مستقبل حكام العراق الجدد وشعبه يكاد يقترب من حلمه المنشود في تحقيق الديمقراطية لولا النفوذ الإيراني القوي و»أطماعه التوسعية وطموحاته الإقليمية غير المحدودة» والذي يكاد يتحول إلى الخطر الأكبر على عراق ما بعد «التغيير» خصوصا إذا ما خرجت أميركا بالكامل.

- أن مستقبل سورية كنظام مقبول دوليا ومجتمع تقدمي حر وديمقراطي رهن بانفكاكها عن التحالف مع إيران، وفك عرى تحالفها مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

- أن الأمن والاستقرار في لبنان رهن بنزع سلاح «حزب الله» اللبناني وتحول الطبقة الرئيسة الأساسية الحاكمة فيه من محور «الشر» السوري- الإيراني إلى معسكر «الاعتدال العربي».

- أن مستقبل القضية الفلسطينية رهن بإسقاط فكرة ومقولة وثقافة المقاومة ليس فقط بين صفوف الشباب الفلسطيني، بل في عموم العالمين العربي والإسلامي من خلال التطبيع الكامل بين إسرائيل وكل المحيطين العربي والإسلامي، وبالتالي فإن الهدف الأساس في هذا السياق لابد أن يكون تحويل قضية القدس وفلسطين من قضية إسلامية وعربية ناهيك عن أن تكون قضية إنسانية عامة إلى قضية خلاف حدودي بين محميات من يقايا «هنود حمر» قد نسميها «دولة تستحق الحياة» كما قال أوباما، شرط أن تعيش تحت المظلة النووية الإسرائيلية الغربية، وبين «كيان طبيعي» أساس رغم كونه هو المحتل والمغتصب، لكنه هو لب ما صدره النظام الرأسمالي الغربي إلى منطقتنا، كما كتب رئيس وزراء إسبانيا والقضاء عليه يعني القضاء على الغرب.

- ولما كانت إيران هي العقبة الكأداء أمام تحقق هذه الأهداف وغيرها الكثير المشابه لها وهو ما أكده بوش الصغير في أكثر من مناسبة عندما وصف إيران «بالبنك المركزي» الداعم للإرهاب، ولما كانت إيران «دولة شيعية» كما يصفونها، وإن كان مثل هذا الأمر لا يضيرها بشيء البتة إن جاء في سياق وصف خال من الدس الخبيث، لكن مشكلتهم معها ليس في تشيعها، فالشاه كان شيعيا أيضا لكنهم سلموه الوكالة الحصرية للمنطقة يومها، فيما عبدالناصر السنّي وكذلك الإمام حسن البنا والحركات الإسلامية والقومية العربية الثورية بالأمس فقد حوربوا أشد الحرب وكذلك حال الإخوان المسلمين في مصر اليوم، وكذلك «حماس» وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، وهي السنية المذهب فهي تحارب، بل تمنع حتى من ممارسة حقها الديمقراطي الذي يتبجح به الغرب، لذلك كان لابد من وضع عنوان رئيس لكل تلك الملفات الآنفة الذكر التي لم تذكر تحت يافطة عريضة أساسية اسمها «الفتنة السنية الشيعية».

- حتى الصراع السياسي الواضح والمعلوم الحال بين مشروع المقاومة اللبناني لكل أشكال التبعية، والذي بات يضم إضافة إلى «حزب الله» اللبناني عدداً لا بأس به من أعمدة الفكر المسيحي المشرقي الحر والشجاع، وأعمدة الفكر العروبي الإسلامي «السني» المتحرر من حراس البترودولار مع عدو لبنان الأول، وهو الاحتلال والعدوان والجبروت الصهيوني، صار لابد من تظليله بظلال الفتنة السنية الشيعية مرة من خلال موجة الإرعاب والإرهاب الفردي عبر مسلسل الاغتيالات المشبوهة والمفخخة ومرة من خلال حرب كي الوعي، وأخيرا من خلال ما بات يعرف بالقرار الظني لمحكمة أقيم بنيانها على زغل وباطل، بدأ ينكشف أمرها مع كل يوم يمر.

- ولتأجيج هذه الفتنة وإشعال أوارها كلما انطفأ كان لابد من فتح قناة شيعية متطرفة هنا، أو قناة سنية متطرفة هناك، واستئجار أشباه الكتبة وأشباه المتكلمين وأشباه رجال الدين، بل وكلاء الشيطان في ميدان الدين لينفخوا في نار تلك الفتنة المقيتة والحاقدة، وهي في أغلبتتها وهم في أغلبيتهم إما من سكان لندن وإما ممن ينفخون في بوق الفتنة انطلاقا منها، وهي المعروفة في كونها أم الاستعمار القديم الهرم وصاحبة الماركة المسجلة «فرّق تسد» الشهيرة.

وعليه نقول لأهلنا وأحبتنا في كل بقعة من هذا الوطن العربي الكبير والعالم الإسلامي الأكبر قولا فصلا لا ترديد ولا تشكيك فيه، وهو بمنزلة فتوى وإن كنت لست في موقع الفتيا: إن كل صوت من هذه الأصوات وكل عمل من هذه الأعمال لاسيما تلك التي تسفك فيها الدماء أو تتسبب في ذلك إنما هي حرام في حرام، ومن أعمال الشيطان الأكبر وأعوانه الشياطين الصغار، ومن حق كل معين للإسلام وناصر له أن ينزع عن هذه الرموز عمائمها كما طالب يوما الإمام الخميني الراحل وأن تقطع اليد التي تكتب في شؤون الفتنة كما يقطع اللسان الذي يرمي أصحاب النبي وأهله بالإفك على غرار العمل بالفتوى الشهيرة بحق المرتد سلمان رشدي، ومن لا يصدق خطر ما يخطط لهذه الأمة فلينتظر قليلا لتثبت له الأيام ارتباط كل هذا الكم الهائل من اللغط بدوائر الحرب الاستعمارية الناعمة.

وهي الحرب التي باتوا ينظرون إليها في دوائر البنتاغون بالمناسبة– افتتحت معاونية خاصة بهذا الشأن أخيرا– بعد فشل دوائر الخارجية والاستخبارات في تلك المهمة باعترافهم هم، وكما كتبوا في مقدمة ضرورة إنشاء مثل هذه المعاونية.

لا بل يستحضرني في سياق الحديث عن هذه الفتنة العمياء كلام هنا للإمام الخميني الراحل يقول فيه «إن مجرد فتح باب الخلاف بين السنة والشيعة هو من أعمال الحرام» فيما يقول السيد السيستاني «لا تقولوا إخواننا السنة بل قولوا إنهم أنفسنا» فيما يقول مرشد الثورة الإمام الخامنئي «إنه من الأعمال التي تخدم الصهيونية والاستعمار» فهل من مستعبر؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني