فاجعة المطيري... وضحايا البنك الدولي!
لاشك في أن مقتل المواطن محمد المطيري فاجعة وطنية، خاصة أنها تمت على أيدي الرجال المنوط بهم العمل والسهر على أمن الوطن وممتلكات وأعراض الناس، والمأساة أن زملاء هؤلاء الرجال ضللونا ببيانات كاذبة ومختلقة على مدى عدة أيام، أفقدتنا ثقتنا بهذه المؤسسة الأمنية الهامة في البلد، ما يحدث في وزارة الداخلية قضية بلد لا يمكن تجاوزها أو السكوت عنها دون قرارات كبرى تشمل كل مفاصل الفساد والتسيب واستغلال السلطة فيها، ولا يمكن الركون إلى وعود بـ»التنظيف» دون أن يرى المجتمع وجوهاً جديدة تأخذ على عاتقها عملية إصلاح شاملة، تعيد الثقة بها وتقتص لروح المرحوم محمد غزاي، وتريح نفوس أهله وكل المواطنين الذين روعتهم تفاصيل جريمة قتله. اللافت في القضية أن المؤسسة الأمنية التي يجب أن تتحلى بانضباط عال ومحكم، تسرب منها العديد من المعلومات المتناقضة منذ بداية قضية المواطن المطيري، وانتشار التصريحات من ضباطها من مختلف الرتب التي يطعن فيها بعضهم بعضاً، ويتبادلون الاتهامات على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة، مما زاد من الشك في مصداقية كل ما يصدر عن وزارة الداخلية، ما حدث بالتأكيد ينم عن خلل في الانضباط في جهاز الشرطة الذي كان واضحاً منذ سنوات من تسرب القضايا وتفاصيلها على صفحات الجرائد بمجرد وصولها إلى المخافر، وتحول قيادات في «الداخلية» إلى نجوم في الصحف، دون أن تتمكن الوزارة من منع ذلك ووقفه، واللافت أيضاً العدد الكبير من أبناء الأسرة الحاكمة الذين يحتلون مواقع في الإدارة العامة للمباحث الجنائية، مما يحرج الأسرة في قضايا هذه الإدارة الحساسة، ويزيد اللغط والإشاعات حولها.
***ما حدث في تونس من ثورة شعبية أطاحت بأحد رؤساء مدى الحياة الكُثر في الشرق العربي هو حدث كبير سيغير شكل نظم الحكم فيها على المديين القريب والمتوسط، ولن يطول على المدى البعيد كما يأمل البعض، المهم من عبر الحدث أن ما سيتم من تغيير سيكون مرتكزاً على قضايا اقتصادية ومطالب معيشية، ولذلك فإن اندفاع أنظمة الحكم وخصوصاً في الدول العربية غير النفطية إلى التحالف مع رجال المال والأعمال في ثنائية «السلطة-المال» بغطاء وتبريرات برامج البنك الدولي لعلاج الاقتصاد الوطني فيها سيكون موضع مقتلهم.البنك الدولي دمر بتوصياته وضغوطه منظومات اجتماعية متكافلة في عدة دول، وكان يعطي بيانات وتوصيفات اقتصادية إيجابية لتونس وغيرها، بينما الواقع كان مخالفاً، كما بقية نماذج البنك الدولي في أيسلندا وأيرلندا وغيرهما التي انهارت أو تعاني مشاكل جدية، الدفع إلى الخصخصة وإطلاق آلية السوق المتهورة في بيئة فاسدة أو بدون تشريعات شاملة لحماية المجتمع وتوفير العدالة الاجتماعية ومحاربة الفاسدين تكون نهايته الانهيار الذي يولد حالات الإفلاس والثورات، وهذا ما تتكون نواته- منذ سنوات- في عدة دول عربية تغلي شوارعها الآن بانتظار لحظة الانفجار، بينما رجال المال المتحالفون مع السلطة وواجهتها يتحدثون عن المشاريع والتنمية والمستقبل الوردي الذي يرونه من خلال زيادة ثرواتهم ومواقع قصورهم، وتسوقه آلتهم الإعلامية الضخمة الممولة من المستفيدين من التحول الاقتصادي المنفلت في بعض الدول العربية، وهم يصورون كل من يعارضهم بأنهم «ديناصورات»، وكل من يطرح نموذجاً اقتصادياً مختلفاً بأنه مهلوس فاشل، ولا مجال للحديث عن الديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية الاجتماعية بنماذجها المشرقة في السويد ودول أخرى، بل المطلوب هو مسار واحد هو توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تمكنهم من ثروات بلدانهم، وكانت تونس إحدى ضحاياه... والبقية تأتي!