هذا هو عنوان كتاب كاتبة القصة والروائية السيدة ميس خالد العثمان، وهو عنوان للإبداع الذي حفل به الكتاب الذي احتوى نصوصاً قصيرة لكنها غنية بالصياغة الماهرة والمعاني العميقة والثقافة العالية، كل نص يأخذك إلى أعماق الأرض أو إلى عنان السماء يبحر بك بين لآلئ البحر وينقلك إلى أسرار الكون والطبيعة وأعماق النفس البشرية. معظم النصوص لا تزيد على صفحة، لكن كل كلمة، وأكرر، كل كلمة اختيرت بدقة وعناية ونحتت بفن وعبّرت عن مكنون كتاب.

Ad

أعجوبة ميس العثمان أن الكلام طوع بنانها لا أدري كيف يمكن لكلمة أن تحضر كل هذه المعاني وكيف بجملة استطاعت أن تختزل موسوعة علوم وفنون وجغرافيا وعلم نفس وإدراك لمكونات وحركة مجتمع.

قرأت لها روايتها «عقيدة رقص» قبل فترة واستمتعت بها وأعجبت بهذه القدرة والملكة الفكرية والأدبية لصاحبتها... رواية لم تتعدّ صفحاتها مئة صفحة ولو أراد أي راوٍ آخر أن يكتب مثلها لربما احتاج إلى ألف صفحة ليستطيع أن يعبر عن فصول وحوادث تلك الرواية.

«صلوات الأصابع» تأسرك بكل نص عبر ثمانية أبواب تنقلك في كل باب من بيت العائلة إلى مدن بالجوار إلى ملكوت السماء وإلى أعماق النفس البشرية إلى فلسفة الألوان والأشكال.

ميس العثمان لا ترسم وتعبر بالكلمة فقط إنما هي صاحبة رؤية وفلسفة ونظرة ثاقبة صادقة في أمور حياتنا، فكل كلمة لها معنى ولها تأثير، وقد يسحرك النص لإبداعه اللغوي، لكنه سيبهرك بمعانيه ومراميه وقدرته على نقلك إلى الصورة الأكبر لما ترى وتسمع في حياتك اليومية. تقول ميس في نص عنوانه «المباركية» ضجيج الهمس:

«.... لأننا السجناء بالحداثة نحنّ إلى التنزه تيها في فضاءات الله المسترخية بساعات الزمن المتصالح مع روائح من «عبروا» ألفة ذلك المقهى وضيق السكك والدكاكين وتنادوا بأصواتهم عمراً.

فكل ذلك ليس إلا جسراً يفصل بين فكرتين/حالتين، ومبررة تكون ملامسة كفي لكل تلك النتوءات على الجدران العتيقة.

والسؤال ينحت المدى عن تفاصيل الوجوه التي تصافحت على حافات الشوارع في زمن صار يبتعد عنا... جداً».

من يستطيع أن يصف هذه الفكرة بهذا العدد من الكلمات وبهذه البلاغة والعمق إلا ميس العثمان؟

هل تدرك الدولة كنوزها الأدبية والفنية؟ هل تعلم أن في الكويت عبقرية بحجم ميس العثمان؟

أتمنى... وأتمنى.