كنت أقرأ موضوعا يتناول اختبارات القياس النفسي (Psychometric Tests) والاستخدام المتزايد لها لاختبار المتقدمين للوظائف المختلفة في الغرب، فراق لي أن أطرح سؤالا على الأصدقاء والمتابعين على شبكة الإنترنت، فأرسلت لهم أقول: كثير من جهات العمل في العالم المتقدم تطبق اختبارات الاتزان النفسي على المتقدمين للعمل فيها، فأي مؤسساتنا يجب أن تفعل ذلك برأيكم؟!
فجاءتني الإجابات المذهلة!فاختبارات المقاييس النفسية، لمن لا يعرفها، هي مجموعة اختبارات يتم إعدادها على يد متخصصين لتقيس القدرات النفسية للبشر، ومدى ملاءمتها للتوظيف في قطاعات العمل المختلفة.وبطبيعة الحال، لم يترك المتفاعلون قطاع عمل، عام أو خاص، إلا قالوا بضرورة أن تطبق عليه اختبارات وقياسات الاتزان النفسي، والكل، كما شعرت، كانوا يتحدثون من واقع تجاربهم، وكانت على رأس القطاعات التي اقترحها المتفاعلون وزارات الداخلية والتربية والصحة، إيمانا بأهمية «الاتزان النفسي» للعاملين في هذه القطاعات الحيوية!لكن الإجابات الأكثر ظرافة «ودهاء» في ذات الوقت، من مجموع الإجابات التي وردت من المتفاعلين مع هذا السؤال المشاكس، وهي التي كانت الأكثر تكرارا أيضا، كانت قد شملت: مجلس الوزراء ومجلس الأمة!وأنا هنا سأعترف بأن سؤالي كان مشاغبا أكثر بكثير من كوني كنت أبحث بدقة عن تحديد الجهات التي تستحق إجراء هذه الاختبارات النفسية المهمة، فكان هدفي بصورة عامة هو تلمس نظرة الناس للفكرة والواقع، وبالتالي فإن الإجابات لم تفاجئني أبدا، لكن ما أثار ضحكي أن يكون مجلسا الوزراء والأمة في مقدمة الجهات التي ذكرها المتفاعلون!وليس في الأمر مفاجأة كبيرة، لأني لم أكن لألوم الناس، فما يجري عندنا أخيرا على صعيد السياسة، إن كان في ما يجري شيء يمكن أن نسميه سياسة، أقول إن ما يجري عندنا أخيرا على صعيد السياسة قد أضحى أشبه بكرنفال مجنون خال من أي ذرة من اتزان نفسي!هل يعقل، مثلا، أن يتم حل الحكومة، وتظل البلاد دون حكومة لأسابيع متطاولة، ثم تعود كما كانت دون تغيير جوهري يذكر؟! أين الاتزان النفسي؟!هل يعقل، مثلا، أن يصرح وزير المالية، حفظه الله ورعاه وأغناه، أيام الأزمة الاقتصادية، بأن ذلك الوقت كان هو الأنسب لدخول الناس إلى البورصة، فيدخل الناس، وينهار بهم السوق، وتذهب مدخراتهم هباء منثورا؟ وأن يقال اليوم إن ذات الوزير سيعود إلى نفس منصبه؟ أين الاتزان النفسي؟!هل يعقل، مثلا، أن يصرح وزير المواصلات، حفظه الله ووصله، بأن مترو الكويت سيتم إنجازه خلال خمس سنوات، ونحن نعرف بأن المشروع لا يزال فكرة خيالية جنينية لم تنفخ فيها روح بعد؟ فأين احترام العقول؟ وأين الاتزان النفسي؟!هل يعقل، مثلا، أن نائبا فاضلا، وهو قاض سابق، حفظه الله وسدد حكمه، حين سألوه عن كارثة اللحوم الفاسدة، وهي الكارثة التي صارت مسلسلا مكسيكيا بدورها، أجاب قائلا: «شدعوة» كلها ست دجاجات؟! أين الاتزان النفسي؟!هل يعقل، مثلا، أن نائبة فاضلة، حفظها الله وهداها وأسعدها، تخاطب إيران قائلة إن الكويت قد ساعدتها إبان حربها مع العراق؟! أين «تسييس السياسة»... عفوا، أعني أين الاتزان النفسي؟!يا سيداتي ويا سادتي، ليس لأحد اليوم أن يلوم الناس إن هم رأوا أن مجلسي الوزراء والأمة هما أول قطاعين يجب أن تطبق عليهما اختبارات الاتزان النفسي، فالواقع لا يقول بغير أن ما يجري خال تماما من أي ذرة من الاتزان النفسي!
مقالات
أين الاتزان النفسي يا قوم؟!
08-05-2011