لا أعتقد أن حكومتنا قد سبق لها أن تلقت صفعة دبلوماسية، من دولة خليجية شقيقة، بحرارة الصفعة التي تلقتها بالأمس على تلفزيون دولة البحرين الرسمي، الذي يمثل الحكومة البحرينية بطبيعة الحال.

Ad

ولمن لا يعرف القصة، فهي، وباختصار، أن تلفزيون البحرين، وعلى مدى عدة ساعات من مساء الجمعة، بث برنامجا تناول فيه الدور السيئ للمدعو محمود حيدر، كويتي الجنسية، في تأجيج أحداث البحرين الأخيرة، على حد تعبيره، وقد تضمن قائمة طويلة من المعلومات المثيرة والاتهامات الشديدة، تناولت حصوله على جنسيته الكويتية قبل عشرين عاما فقط، وكيفية وصوله إلى هذا الثراء الفاحش من بعد ما كان يعمل مراسلا بسيطا، وأنه كان يمارس جريمة تهريب الذهب، وعن تخابره مع إيران، وعن نفوذه القوي في الكويت وغض حكومتنا الطرف عن أفعاله، وعن علاقاته وتحركاته الطائفية عبر قنواته التلفزيونية وجريدته، وغير ذلك من قائمة طويلة سوداء، تحدثوا عنها على مدى ساعات طوال. حين شاهدت البرنامج كتبت في «تويتر»: «أن توجه البحرين كل هذه الاتهامات لمواطن كويتي، وتبثها عبر تلفزيونها الرسمي، ولا تعليق من حكومتنا، سلبا أو إيجابا، فهذه كارثة دبلوماسية»، فاندلعت النيران ضدي، كما كنت أتوقع طبعا، ولكنني لم أشغل نفسي كثيرا بالرد على كل ما جاء في هذه النيران، اللهم إلا بعض الردود لمن آنست منهم رشدا. واضح أن حجم الكراهية لمحمود حيدر كبير جدا، وأن كثيرا من الناس أسعدهم جلده، كجزء من عقاب لطالما تمنوه له، على يد تلفزيون البحرين على الهواء مباشرة في قناته الفضائية التي شاهدها مئات الألوف إن لم يكن الملايين أمس، ولذلك كان مستفزا لهم أن آتي وأكتب ما كتبت على «تويتر»، فقد رأوه دفاعا عنه، بشكل من الأشكال. إلا أن الحكيم المتبصر، يدرك أن كلامي الذي كتبته، لم يكن دفاعا عن حيدر، لأنه حتى لو كنت من مؤيديه، فالحماقة أن أؤيده بهذه الطريقة، بل هناك ألف طريقة لدعمه، ستكون أكثر ذكاء من رسالة صريحة مباشرة أكتبها في «تويتر». رسالة وجد من خلالها البعض فرصة «للتفذلك» أو ممارسة السقوط والانحدار الذي يجيدونه ليسعد به متابعوهم. مشاعري تجاه حيدر وما يقوم به عبر أدواته لا تختلف عن مشاعر هذا القطاع الكبير من الناس نحوه، لكن لي عقلا يجعلني أدرك أن المشاعر شيء والأحكام الموضوعية شيء آخر، لذل فرسالتي كانت وستظل واضحة. اتهامات دولة البحرين لمحمود حيدر، حامل الجنسية الكويتية، بغض النظر عن متى حصل عليها، وشعورنا السبي المقيت تجاهه، هي اتهامات خطيرة جدا... اتهامات رأيتها قد تجاوزته وصولا إلى حكومتنا، وستقولون كيف؟

والإجابة هي أن حكومة البحرين، جاءت وقالت إن محمود حيدر فيه كذا وكذا وكذا، متهمة إياه بالكثير من الجرائم الرهيبة، لكن هذا في واقع الأمر ليس اتهاما لحيدر فقط، إنما اتهام للحكومة الكويتية بواحد من أمرين: إما أن تلفزيون البحرين يقول إن حكومتنا كانت تعرف كل هذه الجرائم عنه، ومع ذلك التزمت الصمت، وهذه كارثة كبرى، وإما أنه يقول إنها لا تعرف شيئا من هذا، وجاءتها استخبارات البحرين اليوم لتكشفه لها وتوقظها من غفلتها، وهذه كارثة أكبر! لكنني لن ألوم تلفزيون البحرين على ما فعل، فهو يقاتل لمعركته التي يؤمن بها، بل سأوجه ملامتي لحكومة بلادي التي صُفعت بالأمس على الهواء مباشرة مرارا وتكرارا، على رؤوس الأشهاد، وأمام كل شعوب الخليج والعالم العربي، وربما أبعد من ذلك، ولم تحرك ساكنا للدفاع عن نفسها.

وسؤال الختام هو أين حكومتنا مما قيل بالأمس؟ هل هي غافلة عن هذه الجرائم الرهيبة التي كشفها تلفزيون البحرين عن حيدر؟ وماذا ستفعل الآن بعدما علمت يا ترى؟ أم أنها اتهامات باطلة، وأن حيدر لا يتخابر مع جهات أجنبية ضد الكويت ودول الخليج وأن ليس له هذا النفوذ والسيطرة في الكويت، كما قال تلفزيون البحرين؟! لا مجال للنوم يا حكومة، لا مجال، فالفضيحة بالأمس صوتها عال جدا، وسيظل يرن في الآذان والأذهان.

***

كلمة على الهامش: في الخصومات تنكشف معادن الرجال، وتتمايز أخلاق الفرسان عن أخلاق الساقطين، والرجال حقا من يتذكرون قول الله تعالى: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا»، فلا تحركهم أهواء النفوس، فتجرفهم عن رؤية الحق. ولا خير في قضية حق، ينتصر لها أصحابها بسقط القول وداعر الألفاظ، فلئن يخسر الرجل حقه وهو رافع رأسه بكرامته، شامخ بعزته، خير له من أن يكسبه وهو متمرغ بوحل الشتائم والسباب.