كثيراً ما نخلط بين مفهومي الراحة والسعادة؛ مما يفقدنا الكثير من متع الدنيا، ويضعنا في حالة من الاستقرار القاتل للطموح والتطور. فالراحة بمفهومها العام هي التخلص من عوامل التوتر؛ كالجوع والمرض والخوف والإزعاج أو غيرها من المنغصات، ولكن الراحة لا تعني السعادة بالضرورة، فالسعادة هي حالة انتشاء نفسي نتاج تفاعل هرموني ناتج عن مؤثرات خارجية وداخلية لها صلة بدوافع الإنسان العليا؛ كالتواصل والترابط الاجتماعي أو السلطة والسيطرة على المصير أو النجاح والإنجاز.
والراحة الزائدة الناتجة عادة عن الرخاء المادي تقتل في الإنسان الرغبة في التحدي أو الخروج عن دائرة المألوف و»العرف»... وعليه قلّما يفكر أو يبحث بشكل جدي في إرضاء الدوافع الأعلى، خصوصاً إن كان في ذلك ما يقلق راحته، لذا نرى الغني يفضل المال على الحب، والثراء على العلم، والتجارة على السياسة، ما لم يؤد الحب والعلم والسياسة إلى مزيد من الثراء المضمون.بالمقابل انشغال الإنسان في سد احتياجاته الرئيسة (المأكل والمأوى والعلاج) يبعده عن تحقيق احتياجاته الأعلى، ويضعه في دائرة الهرولة اليومية وراء الراحة بأبسط أشكالها، لذا يشارك الفقراء في العمليات الانتحارية أكثر من العمل السياسي المنظم الطويل الأمد، فدافعهم هو التخلص من الألم وليس البناء والإنجاز.الثوراث الاجتماعية والسياسية عادة ما يقودها من هم في ذلك الحيز المعين من الراحة غير التامة، ومن هم قادرون على الحصول على قوتهم اليومي، ولكن لهم متسع من الوقت للتفكير، فيقلقهم المستقبل ويزعجهم الفساد ويؤرقهم عدم الاستقرار، وليس لديهم الكثير مما يخشون فقدانه... بمعنى من هم في الجزء الأدنى من الطبقة الوسطى، وإن كان الفقراء هم الوقود الفعلي لهذه الثورات.هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كالوعي والخبرة السياسية والمستوى الثقافي العام، وهذا يفسر سرعة الثورة التونسية، وتردد الطبقة الوسطى في مصر في اللحاق بركاب ثورتها، وانسحاب سنّة البحرين من المطالب الشعبية البسيطة التي بدأ بها التحرك الشعبي هناك، كما يفسر حالة الذعر في الكويت والسعودية من انتشار موجة التغيير.ففي نهاية المطاف ورغم «التحلطم والتقرطم» المستمرين عندما يفكر البعض بالإزعاج والمخاطرة التي يحملها التغيير يصبح الموقف العام «اقضب (امسك) مجنونك لا يجيك اللي أجن منه»... لذا لا نثور! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
لماذا لا نثور؟
23-05-2011