سورية أقوى من الفتنة!
لا يختلف اثنان أن مطالب الشعب السوري بمحاربة الفساد والمطالبة بالإصلاح هي مطالب مشروعة ومحقة وعادلة, وأن التظاهر من أجلها لا يحتاج إلى محرك خارجي بالضرورة! وأن كل سلطة تقمع شعبها، أياً كان خطابها إنما تطلق النار على الوطن بل حتى على النظام الذي تمثله بقدر ما هي تطلق النار على الجماهير, وكلما زاد سقوط ضحايا أبرياء على يد تلك السلطة الحاكمة أفقد ذلك من شرعية ذلك النظام وسارع في سقوطه! لكن ثمة أسئلة مشروعة تطرح نفسها بقوة ونحن نتابع المشهد السوري بعد مظاهرات مدنه وأريافه العنيفة وهي:
أولاً: ما العلاقة بين سقوط معادلة السين- سين الشهيرة التي سعت إلى حل سعودي سوري للبنان يجنبه فتنة سنّية شيعية على يد فيلتمان وخلاياه التائهة في لبنان وبين الانفجار المنظم للأحداث في سورية؟! ثانياً: ما العلاقة بين وصف ثورة البحرين من قبل بعض وعاظ السلاطين بالطائفية والتحريض الطائفي لهؤلاء أنفسهم في ظلال الأحداث السورية بعد إفشال متشددين في السعودية لجهود الملك عبدالله والرئيس بشار لاحتواء العنف البحريني الحكومي غير المبرر ومنع امتداد مفاعيل فتنته إقليميا؟! ثالثاً: ما العلاقة بين رفض النظام السوري لفكرة الاستعانة بالأطلسي والأميركي في سياق دعم مطالب الشعب الليبي المشروعة والعادلة وانقطاع البعض من أصدقاء سورية من العرب والخليجيين تحديداً عنه وصولاً حتى الانقلاب عليه، وانطلاق حملة التحريض الإعلامية ضده؟! رابعاً: ما العلاقة بين سقوط المشروع الأميركي- الإقليمي في فرض سعد الحريري رئيساً لوزراء لبنان وازدياد الضغوط الإقليمية والدولية على الرئيس ميقاتي لإفشاله في تشكيل حكومة وطنية والانفجار الفجائي لأحداث سورية؟! خامساً: لماذا سكت البعض من رموز المعارضة الدينية السورية التي نجل ونحترم شخصها الكريم دهراً أمام أحداث جليلة مرت بالأمة، وإذا بها تقرر النطق وتوجيه خطاب التغيير للشعب السوري؟! سادساً: لماذا ومن بين كل ما حصل في الوطن العربي من ثورات تميزت أحداث سورية برفع شعار: الله. حرية. سورية وبس؟! وما علاقة ذلك بمشاريع لبنان أولاً ومصر أولا والعراق أولاً و...؟! قلتها وأقولها مرة أخرى إنني أؤمن وبكل جوارحي بنظرية المؤامرة، وبأن هناك قوى أجنبية وعملاء تابعين لها في السياسة والثقافة والأمن والعسكر والحرب النفسية يعملون ليل نهار على زعزعة أمن وطننا العربي والإسلامي, لكن ذلك لا يعني مطلقا أن كل ما يحدث عندنا هو من صنع المؤامرات, كلا وألف كلا! غير أن مشروع الحروب الناعمة، والدخول على خط التغيير الشعبي الذي تتبعه القوى الاستعمارية بعد فشلها الفاضح في أكثر من حرب عسكرية مباشرة، ومقاومة الشعوب المظفرة لها, جعلت من مقولة المؤامرة تطفو على السطح مرة أخرى لاسيما مع انطلاق الثورات العربية من تونس ومصر ومفاجأة تلك الثورات لتلك القوى بنتائجها غير المسبوقة! ثم إنني وضعت لنفسي، وأظن أن ذلك يصلح لكل عربي ومسلم، معياراً لتقويم المسلك والممارسة السياسية لأي زعيم أو حكم أو معارضة، ألا وهو الموقف من فلسطين, وهو معيار أظنه موضوعياً جداً بالنسبة إلى الجميع, ذلك لأن أم مصائبنا والشر المطلق إنما يكمنان في هذه الغدة السرطانية التي زرعت في قلب بلادنا ألا وهي الكيان الصهيوني, ولما كان الغرب المنافق هذا لا ينطق بعبارة إلا وأعقبها: نحن ملتزمون بأمن إسرائيل! فإن من حقنا أن نشكك في كل شيء يدعمه أو يصفق له الغرب، وأن نتضامن أو نتعاطف مع كل من- أو ما- يستنكف منه الغرب. من هنا نعود إلى سورية مجددا ونطرح السؤال الأكبر: هل قرر الغرب الالتفاف على الثورات العربية وتحريفها من خلال ما بدأه في ليبيا أولا عبر تدمير كل البنى التحتية التي يحتاجها الثوار في مرحلة ما بعد القذافي؛ ليضمن وقوع رجال ما بعد النظام الليبي الحالي في شباكه, وصولاً إلى إعادة تشغيل ماكينة حروب الفتن المذهبية والطائفية والعرقية انطلاقا من الدخول على خط الثورة البحرينية، وتتويجا بتحريك أحداث سورية الأخيرة؟! ومع ذلك نقول ليس كل ما يحصل وكل من يتحرك في المشهد السوري هو نتاج مؤامرة خارجية, لكن المؤمن الكيس والفطن لابد له أن يعرف متى وأين يقول ما يقول ويمارس ما يمارس, لأن كل كلام له تاريخ وله جغرافيا, وزعزعة أمن سورية وأمن نظام الرئيس بشار الأسد المقاوم والداعم والحاضن للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية في هذه اللحظة التاريخية، إنما هي خطة إسرائيلية أميركية غربية يراد منها الانقضاض على المقاومة في لبنان ومحاصرة إيران وعزل المقاومة الفلسطينية, ومن لا يعرف قراءة تسلسل الأحداث وترابطها وتشابكها وتداخل أجنداتها ويميز الخبيث من الطيب فيها لن يستطيع إلا أن يكون أداةً في مشروع أكبر منه! أما من يظن أن سورية إنما هي الخاصرة الرخوة في مثلث الصمود الآنف الذكر، وأن حلفاءها لن يسارعوا للدفاع عنها أو أنها من الضعف بحيث إنها ستسقط صريعة مؤامرة أجنبية رخيصة عبر تفجير فتن فيلتمان التي خسرت رهاناتها في العراق ولبنان، فهو مخطئ ويرتكب حماقة قد تكلفه حرباً إقليمية لن تبقي له في المنطقة دويلة مارقة ومصطنعة، ناهيك عن خلايا تائهة ترقص هذه الأيام فوق حبال الموت دون أن تدري فيما يضيق الحبل على عنقها والأيام بيننا هي الحكم! *الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة