من المؤسف أن يقوم بعض أعضاء مجلس الأمة هذه الأيام، بعد أن فشلوا في تشخيص الأسباب الرئيسة للأزمة السياسية الراهنة، بالتركيز على بعض مظاهر الأزمة وتداعياتها وآثارها الجانبية واقتراح حلول غير دستورية للخروج من الأزمة.

Ad

رغم أن دستور 1962 لا يمثل إلا الحد الأدنى الذي وضع الأسس الأولية لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، إذ كان من المفروض تطويره مع الزمن لتحقيق المزيد من ضمانات الحرية والمساواة من أجل استكمال قيام دولة عصرية ديمقراطية، فإن ذلك الحد الأدنى الذي بينه الدستور لم يتوافق مع مصالح بعض القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتنفذة التي لا ترغب في قيام دولة دستورية عصرية تكون السيادة فيها للأمة مصدر السلطات جميعا، إذ إن ذلك سيحد من نفوذها وسطوتها، وسيمنع عملية استئثارها بالثروة الوطنية التي تعتبر ملكا لعموم المواطنين وليس لفئة معينة؛ لهذا فإنه بمجرد أن صدر الدستور في عام 1962 الذي كان صدوره نتيجة طبيعية لتوافر ظروف وعوامل داخلية وخارجية كثيرة متشابكة ومتداخلة حتى أخذت هذه القوى الاجتماعية والسياسية على عاتقها مهمة التصدي لإفشال عملية تطبيقه على أرض الواقع من أجل عرقلة عملية تحول المجتمع الكويتي إلى مجتمع مدني ديمقراطي تكون السيادة فيه للأمة.

لقد أخذت محاولات تفريغ الدستور من محتواه منذ بداية العهد الدستوري أشكالا متعددة، بعضها كان فجا ومباشرا مثل تزوير انتخابات 1976 ومحاولتي تعطيل الدستور عامي 1976 و1986 وتفتيت الدوائر إلى 25 دائرة صغيرة تعبث فيها الاستقطابات العائلية والقبلية والطائفية، ثم إنشاء المجلس الوطني غير الدستوري عام 1990، أما بعضها الآخر فقد كان على شكل محاولات غير مباشرة تهدف إلى الالتفاف على مواد الدستور مثل إصدار قوانين تتعارض معها أو تعطيل تطبيقها في الحياة العملية، بيد أن كل هذه المحاولات الرامية إلى التخلص من الدستور أو تجاوزه كانت تواجه فشلا ذريعا، إذ إن الشعب الكويتي قد أثبت المرة تلو الأخرى تمسكه القوي بمكتسباته الدستورية وعدم قبوله أي محاولة للانقضاض عليها أو تقليصها، وخير شاهد على ذلك ديوانيات الاثنين، ومؤتمر جدة الذي عقد في أثناء الاحتلال البغيض في اكتوبر 1990، حيث تعهدت فيه الأسرة الحاكمة بتمسكها النهائي بدستور 1962، وهو ما أكده منذ ذلك الوقت، وفي أكثر من مناسبة عدد من مسؤولي الحكومة كان آخرهم سمو رئيس مجلس الوزراء الذي صرح قبل مدة قصيرة بأن الحكومة ملتزمة بالدستور.

لذلك فإنه من المؤسف حقا أن يقوم بعض أعضاء مجلس الأمة هذه الأيام، بعد أن فشلوا في تشخيص الأسباب الرئيسة للأزمة السياسية الراهنة، بالتركيز على بعض مظاهر الأزمة وتداعياتها وآثارها الجانبية واقتراح حلول غير دستورية للخروج من الأزمة مثل العزف على الأسطوانة المشروخة والمرفوضة شعبيا الداعية إلى تعديل الدستور أو لنقل الرامية إلى العبث بالدستور من أجل تقليص المكتسبات الدستورية التي لا تمثل إلا الحد الأدنى المطلوب تطويره للأفضل، وتحصين الممارسات والتصرفات الحكومية بالشكل الذي يحول مجلس الأمة إلى مجلس شكلي شبيه بالمجلس الوطني سيئ الذكر الذي رفضه الشعب الكويتي رفضا قاطعا، إذ إن التعديلات التي يقوم، مع الأسف الشديد، بتسويقها منذ مدة ليست قصيرة النائب الفاضل علي الراشد، ستفقد، إذا ما أقرت، مجلس الأمة صلاحياته الدستورية اللازمة لممارسة سلطة الرقابة الشعبية والمساءلة السياسية، وستنمح الحكومة ضمانات وتحصينات إضافية غير الضمانات الكثيرة المتوافرة لها حاليا، وهو الأمر الذي يتعارض مع فلسفة الدستور وروحه وصريح مواده التي تنص صراحة ألا يكون التنقيح إلا للمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، فضلا عن تعارض هذه التعديلات مع روح العصر ومتطلباته.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة