دكتور أسامة... أبلغ من العمر 32 عاماً وأنا فتاة غير متزوجة، قبل ثلاثة أشهر لاحظت قساوة في ثديي الأيسر فذهبت لطبيبتي التي طمأنتني بعد الفحص بعدم وجود شيء يستدعي القلق، قبل أسبوع أصبح ثديي مؤلماً فذهبت لرؤية متخصص، صدمني حين أخبرني أني مصابة بسرطان في الثدي قد انتقل الى الغدد اللمفاوية في الإبط وأشعر بأني ميتة لا محالة، ماذا أفعل؟

Ad

حين تأتي مريضة بشكوى في الثدي سواءً ألما أو تورما فإنها تسأل في قرارة نفسها هل سيقولون لي إني مصابة بالمرض الشين فكثيرا ما يلجأ الأطباء بحسن نية الى طمأنة المريض بدعوى أن فرصة الخبيث في من ليس لديها تاريخ أسري للمرض أو لصغر عمرها ولضعف احتمال أن يكون الورم خبيثاً قليلة، ولأني أحدِّث المريضة اليوم فأقول نعم قد ترتاحين من الرد لكنك لم تحصلي على الرعاية المثلى في مثل هذه الحالات.

ولذا أقول اليوم من الضروري ألا نكتفي بفحص اليد فقد تقدمت الأشعة الصوتية والماموجرام حتى أصبحت رقمية يمكن تخزينها ونقلها عبر الشبكة العنكبوتية لقراءتها من المتخصصين فلتحرص كل مريضة على أن تحصل على هذه الفحوصات على الأقل متى أحست بمشكلة أو بعد تجاوز الخمسة والثلاثين من العمر.

وبعكس ما يظنه الكثير فإن هذه الأشعة قادرة على التفرقة بين الحميد والخبيث في أغلب الحالات كما يمكن الاستفادة من أشعة الرنين المغناطيسي في الحالات التي تشق علينا، والحق يقال إن طبيب الأشعة المختص هو القادر على ذلك كما أنه قادر على أخذ العينة مسترشداً بالأشعة ليتم فحص النسيج في الورم ليس فقط لتأكيد التشخيص بل لمعرفة معلومات كثيرة عن الورم من شأنها حتى تحديد العلاج التي ستستجيب له المريضة.

في حالة مريضتنا كشفت الأشعة الصوتية والماموجرام وجود ورم خبيث قياسه 8 سنتيمترات وقد انتقل إلى 3 غدد لمفاوية في الإبط، كما كشفت الفحوصات أن نوع خلية الورم متوسطة الخبث فلدى هذه الخلية مستقبل هرمونات الأنوثة مما يجعل الورم يستجيب للعلاج بالمضادات الهرمونية لكنه لا يحمل مستقبلات بيولوجية مما يجعله لا يستجيب لدواء الأجسام المناعية أو الهرسبتين مثلا فلو كان الورم لا يحمل أي مستقبل بات واضحاً أنه شديد الخبث ولا يستجيب للعلاج الهرموني أو البيولوجي.

هذه المعلومات أمدت الطبيب بمعلومات قيمة تمكنه من معرفة نوع وعدد الأسلحة أو الأدوية التي يمكن له استخدامها للقضاء على الورم، بعد معرفة نوع الخلية وما تستجيب له من علاج وجب معرفة درجة انتشار الورم ليتم تحديد نوع العلاج الذي يمكن استعماله، في حالة هذه المريضة تم عمل أشعة مقطعية للصدر والبطن بينت عدم وجود انتشار في الرئة أو الكبد، كما تم عمل أشعة نووية للعظم أفادت بخلو العظم من أي ورم. ولعلنا نتساءل لم تم الكشف عن هذه الأعضاء بالتحديد؟ ولبيان ذلك أقول حين يكون الورم شديد الخبث فإن خلية السرطان تخترق كل ما حولها فإذا اخترقت العضلات وصلت الى الصدر مثلا وإذا اخترقت الجلد سببت تقرحات، أما إذا اخترقت الأوعية اللمفاوية في الثدي فستسير مع سائل اللمف لتصل للغدد اللمفاوية في الإبط، وإذا اخترقت الأوعية الدموية سارت في الدم وانتشرت في جميع الجسم لكن هناك مراعي خصبة تستقبل خلايا الورم لتنبت وتكبر فيها بسرعة مثل الكبد والرئة ومخ العظم وهناك مواقع قاحلة لا ينبت فيها الورم، الجديد في طرق الكشف عن الانتشار ظهور فحوصات إشعاعية جديدة مثل أشعة الدمج المقطعي بالنووي مثل البيت التي تكشف عن انتشار بعض الأورام في جميع أعضاء الجسم، كما توجد تقنيات حديثة تكشف عن انتقال الورم حتى لو لم يكن تكتلا في مناطق وصوله مثل الكشف عن وصوله الى الغدد اللمفاوية بالثدي بواسطة الصبغة.

لقد تطور الطب حتى بات تحديد درجة انتشار الورم دقيقة جدا وبالتالي أمكن توقع نسبة الشفاء بدقة متناهية، في مريضتنا كان الورم في المرحلة الثالثة فقد ملأ جزءاً كبيراً من الثدي كما أنه قد وصل الى الإبط لكنه لم يصل الى المرحلة الرابعة وهي الانتشار البعيد.

حين جلسنا مع المريضة بينا أن الطب الحديث قد مكننا من تصغير حجم الورم باستخدام العلاج الكيميائي حتى يسهل إزالته دون إزالة الثدي، إذ ثبت عدم وجود فرق بين العلاجين في الشفاء لكن تطلب إبقاء الثدي إعطاء المريضة علاجا بالأشعة الكهربائية منعا لعودة الورم في باقي الثدي، كما منحتنا درجة استجابة الورم للعلاج الكيميائي شعوراً بالثقة حين لم نجد إلا خلايا قليلة جداً من الورم لم تمت بالعلاج الكيميائي.

أعي أن الكثير من الناس يخشى العلاج الكيميائي، ولهؤلاء أقول إن زيادة فرصة الشفاء من سرطان الثدي واقترابها من 90 في المئة قد جاءت من تكامل العلاجات الجراحية والإشعاعية والكيميائية والهرمونية والبيولوجية فبعد أن كانت نسبة شفاء مريضتنا لا تتجاوز 11 في المئة في عام 1993 أصبحت اليوم 90 في المئة، ولتوضيح ما هو العلاج الكيميائي يمكنني أن أقول إنها أدوية تمنع التكاثر لتموت الخلايا، ولأنها لا تفرق بين خلية ورمية وغيرها فإنها تؤثر حتى على خلايا الجسم الطبيعية فهي تقتل كل خلية تنقسم بسرعة مثل خلايا الدم، ولذلك تؤدي الى فقر الدم أو نقص خلايا المناعة أو تساقط الشعر لتأثيرها على خلايا البصيلات إلا أنه من المهم معرفة أن هذا تأثير مؤقت يزول بزوال الدواء ولهذا ينتهي فقر الدم ونقص المناعة بعد الانتهاء من العلاج، كما يعود الشعر الى النبوت وقد تطور الطب اليوم ليتم إعطاء المريض أعلى جرعة يتحملها الجسم تضمن قتل أكبر كمية من الورم دون التسبب بفقر شديد في الدم مثلاً، كما طورت أدوية تستطيع تنشيط خلايا الدم فقط لتنمو بسرعة، اليوم يعطى العلاج الكيميائي في العيادة الخارجية ليذهب المريض ليمارس حياته بعدها ويعطى الجسم راحة بعض الوقت قبل تكرار العلاج، ويستمر العلاج لحين القضاء على الورم تماماً، فقد ثبت فائدة إعطاء جرعات متكررة لزيادة درجة الشفاء.

مريضتنا بعد العلاج الكيميائي ثم استئصال الورم وأخذ الأشعة الكهربائية، أخذت المزيد من العلاج الكيميائي لزيادة فرصة الشفاء أتبعها العلاج الهرموني لخمسة أعوام، الشهر القادم ستحتفل بعيد الميلاد الأول لابنها الذي أنجبته بالتلقيح الصناعي كما ستحتفل بمرور ثماني سنوات منذ غلبت هذا المرض فاليوم ليس هناك أثر للمرض وتستمر هي في حياتها كمعلمة، سألتني قبل شهر ماذا أنصح أخواتها فقلت أن يبدأن بفحص الثدي عند مختص عشر سنوات قبل موعد إصابتهن بالمرض.

عذراً للإطالة وتحية لك أم فهد إن سمحت لي بسرد قصتك وأعتذر أني لم أقدم هدية لفهد فلا شيء يوازي نعمة الحياة التي أخذها من رحمك.

* الأسبوع القادم تجميل البطن.