حسابات الحقل والبيدر!
كل الدلائل باتت تشير إلى أن «ثورة الشبان» في مصر ستبقى تراوح في ميدان التحرير ربما لعامين مقبلين، وأن انتفاضة زملائهم في تونس قد تنجز بعض التحسينات في بلادهم، لكنها لن تستطيع تحقيق الحلم الذي راود هؤلاء عندما كانت اندفاعتهم في ذروتها، وعندما كانت وسائل الإعلام تنفخ في حركتهم إلى أن ترسخت لديهم قناعة لا تستند إلى أي معطيات فعلية بأن التغييرات التي سيحققونها ستكون جذرية وستقتلع النظام السابق من جذوره.في مصر غدا ميدان التحرير هاجساً أسبوعياً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي هو بحاجة إلى كل لحظة وإلى كل دقيقة من الوقت ليستعيد الاستقرار والأمن، ويبدأ تنفيذ المهام الوطنية التي التزم بها أمام الله وأمام الشعب المصري، وفي مقدمتها إنجاز كل متطلبات إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة، تؤسس لدولة عصرية غير مترهلة وخالية من الفساد ومن كل الأمراض التي عاناها هذا البلد خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
هناك جهة غير معروفة, يُعتقد أن من بينها «الإخوان المسلمين», بدأت تضع العراقيل أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والواضح أن هذه الجهة مصممة على إشغال هذا المجلس ببعض المعارك الجانبية لاعتقادها بأن الدور الذي بات يقوم به الجيش المصري بعد «ثورة الشبان» جاء امتداداً لانقلاب الضباط الأحرار في عام 1952، وأن هذا الجيش سيواصل ترسيخ النظام العلماني الذي أسسه هذا الانقلاب، وتواصل ترسيخه في عهد جمال عبدالناصر وعهد أنور السادات، وفي هذا العهد الأخير الذي أطيح به، أي عهد حسني مبارك. وما جعل المستقبل القريب في مصر في ضوء هذه المستجدات كلها أكثر ضبابية هو أن الحركة الشبابية نفسها غدت مجموعات مختلفة وفرقاً وتيارات متباعدة لكل تيار تطلعاته الخاصة، وهذا يعني أن الاستقرار المنشود قد يستغرق عامين أو أكثر، وذلك مع أن هناك معلومات تشير إلى أن أمين الجامعة العربية عمرو موسى هو الأوفر حظاً بين الذين سيتقدمون لخوض المعركة الرئاسية، مما قد يختصر فترة عدم الاستقرار هذه المتوقعة والمشار إليها.هذا بالنسبة إلى مصر وتونس أما بالنسبة إلى ليبيا فإن كل التقديرات الواقعية تجمع على أن حسم الأمور لن يكون سهلاً ولن يكون بالسرعة التي كانت متوقعة في البدايات، والأسباب هي أن الانتفاضة تأخرت في أن تفرز قيادة لها توحد كلمتها وتجمع صفوفها وتخطط لعملياتها وتحركاتها اليومية، وأن القذافي سارع إلى استخدام الأموال الهائلة التي يحتفظ بها لشراء المؤلفة قلوبهم ولتجنيد المرتزقة من الخارج، وأن مساحة ليبيا شاسعة، وأن المسافات بين مدنها واسعة، مما يجعل مسألة الحسم السريع غير ممكنة بل مستحيلة، ولهذا فإن الأنظار باتت تتجه الآن إلى اليمن السعيد، بعد أن بدأت حسابات البيدر تكذب حسابات الحقل في الدول الأخرى.