أزهى عصور الإخوان

نشر في 01-03-2011 | 00:00
آخر تحديث 01-03-2011 | 00:00
 ياسر عبد العزيز منذ اندلاع ثورة «الياسمين» في تونس، وانتقال جذوتها المتقدة إلى دول عربية أخرى عديدة، والتغيرات تتلاحق بشكل لم يشهده العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي، وتُفرض على الأرض حقائق جديدة، لم يكن أكثر المحللين جموحاً يتخيلها في أكثر السيناريوهات جرأة وشططاً.

مثلت الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكثر من بلد عربي في العام الماضي 2010، إشارة واضحة إلى تكرس الأوضاع لمصلحة النخب الحاكمة، عبر آليات نزع معظمها إلى التزوير والتدخل الحكومي السافر من جهة، وإلى تراجع دور الإسلام السياسي وجماعة «الإخوان المسلمين» الناشطة في أكثر من بلد تراجعاً انتخابيا ملحوظا من جهة أخرى.

فقدت «الجماعة» والتيارات السياسية المحسوبة عليها والقريبة منها بعض حظوظها التمثيلية ومقاعدها البرلمانية، التي كانت كسبتها على مدى السنوات السابقة، وبدت أيضا أكثر قابلية للاستباحة السياسية في المجال العام، وأقل مناعة أمام محاولات استهداف حضورها، وأكثر قابلية للتفاوض والمساومة والإذعان للحلول غير العادلة.

تراجعت حظوظ تيارات الإسلام السياسي عموما في أكثر من برلمان عربي خلال الانتخابات البرلمانية العربية الأخيرة، وهو الأمر الذي دفع محللين وسياسيين كثيرين إلى التنبؤ ببدء عهد هزيمة «الإسلام السياسي»، وتكرس العمل السياسي المدني، حتى في ظل الدولة النازعة نحو الاستبداد والحريصة على استخدام التزوير والعنف في حرف نتائج العمليات الانتخابية.

وهيمن على المجال السياسي العام في العالم العربي شعور واضح بأن زمن «الصحوة الإسلامية» قد ولى، وأن تهديد «خطف الدولة المدنية لمصلحة التيارات الدينية» قد زال مؤقتاً، وأن الهزيمة الواضحة التي تلقتها جماعات «الإسلام الراديكالي» انسحبت أيضا على جماعات «الإسلام السياسي» غير المرتبطة بالعنف.

لكن التطورات الأخيرة كشفت، ضمن العديد من المفاجآت التي كشفتها عن عدم صحة هذا التحليل.

في الفترة من 22 إلى 24 فبراير الجاري، نظمت صحيفة «المصري اليوم» القاهرية مؤتمراً تحت عنوان «الانتقال الديمقراطي: التحديات والفرص»، سعت خلاله إلى دعوة كل القوى والأطراف السياسية الفاعلة في المشهد السياسي المصري الراهن، وإجراء حوار بناء بينها، لبلورة مطالبها ومخاوفها ورؤاها، وصولاً إلى تصور متكامل لخريطة طريق تقود البلاد إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي الآمن، تجسيدا لأهداف «ثورة 25 يناير».

وفي الجلسة الثالثة لذلك المؤتمر، كان اللواء عبدالمنعم كاطو حاضراً كمفوض بالحديث باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رأس السلطة في مصر راهنا، في ما كان الدكتور عصام العريان القيادي في «الإخوان المسلمين» متحدثا باسم «الجماعة». وقد لاحظ جميع الحاضرين أن اللواء كاطو خاطب العريان خلال الجلسة أكثر من مرة مستخدماً لفظ «أستاذنا»، كما لاحظوا اتفاقا نادرا بين الاثنين في كل ما طرح من أفكار عامة.

كانت النكات والقفشات الضاحكة إحدى أهم علامات «ثورة 25 يناير» في مصر، ولذلك فقد كان آخر تجليات تلك الثورة الضاحكة، صورة لمرشح رئاسي يدعى «محمود حسين مبروك»، وصورته هي ذاتها صورة الرئيس السابق محمد حسني مبارك، لكنها تعرضت لتعديلات مدروسة، بحيث جعلته أصلع، وبشارب، وبعلامة صلاة في منتصف جبهته، وباختصار جعلته «وجهاً إخوانياً» في دلالة واضحة إلى المخاوف من وصول «الإخوان» إلى السلطة على أكتاف الثورة.

الذين عدلوا صورة مبارك واسمه، ليوحوا للمصريين بمخاوف من صعود «الإخوان» على أكتاف الثورة، كانو أبدوا مخاوفهم حين صلى الشيخ يوسف القرضاوي الجمعة قبل الماضية بمليونين في ميدان التحرير، محاطا بقيادات «الإخوان»، وحين منع الشاب وائل غنيم أحد محركي الثورة من الصعود على المنصة لإلقاء كلمة.

ليست المخاوف السائدة في المجال العام المصري راهنا مقتصرة على المشاهد البروتوكولية وألفاظ التقرب وصلوات الميدان، لكنها تمتد إلى السياسات والعمليات المنهجية.

حينما حاول الرئيس السابق تلبية بعض مطالب المتحتجين في بداية الثورة، شكل لجنة قانونية، لإجراء تعديلات على الدستور المصري، عبر تغيير خمس مواد معيبة، وإلغاء مادة سادسة، وقد كانت تلك اللجنة مشكلة من خبراء دستوريين بحكم مناصبهم في الهيئات القضائية.

وبعدما تنحي الرئيس، أو أجبر على التنحي، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة، أعاد تشكيل تلك اللجنة، رغم أنه لم يطح رئيس الوزراء الذي عينه مبارك، وحين طالع المصريون أسماء أعضاء اللجنة الجديدة المشكلة من الجيش، وجدوا أن رئيسها المستشار طارق البشري، وهو أحد أكثر أبناء النخبة المصرية تمتعا بالسمعة الحسنة والكفاءة المهنية، لكنه أيضا أحد المقربين من فكر «الإخوان». كان من الممكن ألا يشكل ترؤس البشري اللجنة المكلفة إجراء التعديلات الدستورية إشكالا أو هاجسا من أي نوع، بسبب السوية المهنية والأخلاقية والثقافية المطمئنة التي يتمتع بها الرجل، لكن ما عزز الهواجس أن أحد أعضاء اللجنة المختارين بواسطة الجيش لم يكن سوى محام إخواني، وكادر منظم خاض الانتخابات الأخيرة ضمن مرشحي «الجماعة».

ولم يكد الرأي العام المصري يستوعب التغيرات المحمودة الجديدة المتمثلة في عدم استخدام القيود القاسية بحق تشكيل الأحزاب، حتى خرجت الموافقة على تأسيس حزب «الوسط»، وهو الحزب الذي أسسه قياديان من «الإخوان» سابقاً، ويمثلان فكر «الجماعة» بشكل أو بآخر.

أما الأخبار الجديدة، فلم تكن سوى إعلان رئيس الكتلة البرلمانية السابقة للجماعة الدكتور سعد الكتاتني عن تشكيل حزب باسم «الحرية والعدالة»، وهو الحزب الذي يمكن توقع الموافقة عليه في أسرع وقت ممكن. وحينما سئل الكتاتني عما إذا كان الحزب سيدعو لتطبيق الحدود، رد بكلام كثير، من بينه قوله: «أولا لكل حادث حديث، والحديث في موقع المعارضة يختلف عن الحديث في موقع الحكم».

لقد كان واضحا لكل متابع لما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية في الأسابيع الماضية أن الثورات والاحتجاجات قامت من أجل الدولة المدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحريات، وكل الأمل أن تنجح تلك الثورات والاحتجاجات في تحقيق تلك الأهداف النبيلة، بما فيها تمكين كل فصيل سياسي مدني من التعبير عن أفكاره وتكوين أحزابه والتمتع بالحرية وحقوق الإنسان، وليس إعادة مجتمعاتنا إلى الوراء، وتقديم نموذج جديد لما يحدث في السودان، حيث قاد العسكر والمتأسلمون البلاد إلى التمزق والفقر والانفصال.

* كاتب مصري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top