على مدى عشرين عاماً تقريبا، زعم المنتمون إلى مجموعة من الناشطين أن الانحباس الحراري العالمي مجرد تلفيق، وقد بالغ خصومهم في تقدير حجم التأثير المحتمل لهذه الظاهرة، ونتيجة لهذا تركز اهتمامهم بشكل مذهبي على فرض تخفيضات حادة في استهلاك الكربون في الأجل القريب باعتباره الحل الوحيد.

Ad

إن هذه المعركة على الفطيرة العلمية، لم تدفع عامة الناس إلى الحيرة والخوف فحسب؛ بل كانت أيضاً السبب في تقويض الجهود التي تبذلها المنظمات التي تعمل على تطوير علوم تغير المناخ، وفشلت الحكومات في مؤتمرات القمة الدولية في اتخاذ أي تدابير ذات مغزى في التعامل مع ظاهرة الانحباس الحراري العالمي.

ولكن مما يدعو إلى التفاؤل ظهور ذلك التكتل الناشئ من العلماء وخبراء الاقتصاد والساسة البارزين الذين يمثلون توجهاً أكثر عقلانية في التعامل مع القضية.

وكما زعمت في كتابي «اهدؤوا»، فإن الاستجابة الأكثر عقلانية لظاهرة الانحباس الحراري العالمي تتلخص في جعل تقنيات الطاقة البديلة رخيصة إلى الحد الذي يتمكن معه العالم أجمع من تحمل تكاليفها، ونستطيع أن نقول إن تحقيق الغاية يتطلب دعماً قوياً ومتعمداً للإنفاق على الأبحاث والتطوير. واستناداً إلى دراسة قام بها أخيراً فريق عمل يتألف من إيزابيل جاليانا وكريس غرين من جامعة ماكجيل، فأنا أؤيد إنفاق مبلغ يعادل 100 مليار دولار سنويا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

بطبيعة الحال، لن يسفر أي علاج لظاهرة الانحباس الحراري العالمي عن نتائج ملموسة بين عشية وضحاها، لذا يتعين علينا أن نركز على التكيف مع التأثيرات المترتبة على الانحباس الحراري العام، من خلال تكثيف الجهود في التصدي للفيضانات الداخلية وما يطلق عليه تأثير «الجزر الحرارية» في المناطق الحضرية، ويتعين علينا أن نستكشف التطبيق العملي لهندسة المناخ.

إن الاعتراف بأن تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية أمر حقيقي، ولكن مع الإقرار في الوقت عينه بأن خفض الانبعاثات الكربونية ليس بالحل الناجع، ففي نظر من يطلق عليهم وصف «المتشائمين»، تُعَد الإشارة إلى الخطأ في التخفيضات الحادة للانبعاثات الكربونية إنكارا لحقيقة تغير المناخ، في حين يسارع من يطلق عليهم وصف «المنكرين» إلى تقريع كل من يقبل الأدلة العلمية التي تؤكد وجود هذه المشكلة «الأسطورية». وعلى الرغم من الأدلة المشجعة فإن هناك ما يشير إلى أن أقلية من الأصوات العاقلة في هذه المناقشة بدأت باجتذاب القدر الذي تستحقه من الاهتمام، ففي منتصف عام 2009 قام غرين وغاليانا بإجراء تحليل للمنافع والتكاليف المترتبة على الإنفاق على مشاريع البحث والتطوير في مجال التكنولوجيات الخضراء، والواقع أن غرين أثبت فعالية سياسة الاستثمار الحكومي في مشاريع البحث والتطوير في إنتاج تقنيات جديدة منخفضة الكربون، على نحو يجعل التقنيات الحالية أرخص وأكثر فعالية، ويعمل على توسيع البنية الأساسية المرتبطة بالطاقة مثل الشبكات الذكية.

وهناك أكاديمي آخر يدعو على استجابة أكثر ذكاءً في التعامل مع قضية الانحباس الحراري العالمي، وهو روجر بايلكه الابن، من جامعة كلورادو، مؤلف كتاب عن الانحباس الحراري العالمي بعنوان «إصلاح المناخ»، وإلى جانب غرين، كان بايلكه واحداً من أربعة عشر أكاديمياً بارزاً اشتركوا في كتابة البحث المهم الذي صدر في شهر فبراير تحت عنوان «ورقة هارتويل»، بتكليف من كلية لندن للاقتصاد وجامعة أكسفورد. ولقد أقام هذا البحث الحجة لمصلحة تطوير البدائل للوقود الأحفوري، لضمان أن التنمية الاقتصادية لن تعيث بالبيئة فسادا، كما يقر البحث بأهمية التكيف مع تغير المناخ.

وفي الولايات المتحدة شهدنا تطوراً واعداً في مناقشة قضية تغير المناخ في الشهر الماضي، عندما نشر تقرير دعا إلى تجديد وتطوير نظام الطاقة الأميركي بهدف جعل الطاقة النظيفة أرخص تكلفة، وزعم التقرير أن حكومة الولايات المتحدة لابد أن تستثمر ما يقرب من 25 مليار دولار سنوياً في المشتريات العسكرية المنخفضة الكربون، ومشاريع البحث والتطوير، وإنشاء شبكة جديدة من مراكز الإبداع في الجامعات والقطاع الخاص بهدف خلق «ثورة الطاقة».

وإنه لمن السابق لأوانه أن نشير إلى أن الساسة قد يحرزون تقدماً حقيقياً في اتجاه تنفيذ سياسات فعّالة في التعامل مع قضية تغير المناخ، ولكن نظراً لندرة الحس السليم في الأعوام الأخيرة، فإن مجرد ظهور مجموعة من الأصوات المتعقلة التي ينصت إليها الناس لا يقل عن معجزة في حد ذاته.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»