كلمة راس: إرادة الحياة
في الأمس، سقط صنم جديد من أصنام العرب الذين ظنوا أنهم آلهة في بلدانهم، يأمرون ولا معقب لأمرهم، استعبدوا الناس وقهروهم، لم يَشبعوا من نهب الثروات حتى توجهوا لامتصاص الدماء واستباحة الأعراض، تحيط بهم زمرة من المنتفعين يزينون لهم سياساتهم، ويطبّلون لهم في صعودهم ونزولهم، ويزيفون لهم أحوال العباد والبلاد، «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»، باعوا استقلالهم للأجنبي وفتحوا له كل ملفات الدولة يتدخل في كل قرار، يسمح ويمنع، يخفض ويرفع، حتى أصبحت المناصب الكبرى والأمنية منها خاصة لا يشغلها إلا مَن يرضى عنه الأجنبي، وظنَّ الصنم أن الأجنبي سنده وملجأه، فاستند إليه وركن له حتى لما جاءه الطوفان استصرخه فلم يلتفت إليه، وضاقت به الدنيا على رحبها، وانهارت الأرض من تحته فلم يجد عندها إلا الهروب بما خفَّ وزنه وثقل ثمنه، تاركاً وراءه سيلاً من دماء الأبرياء من أبناء وطنه الذين أقسم أن يحميهم وأن يعمل من أجلهم.ما حدث في تونس درس يجب أن يستفيد منه أصنام العرب الباقون في سدة الحكم، ويتداركوا أمورهم ويصلحوا أحوالهم مع مواطنيهم قبل أن يفور التنور وتنفتح السماء بماء منهمر، وتثور البراكين مطلقة حممها، وعندها لن يفيدهم قرار استرضاء، ولا وعد بإصلاح... والمؤمن مَن اتعظ بغيره.
زين العابدين بن علي أحد الأصنام الذين أيدوا الغزو العراقي للكويت ولم يُبدِ أي تعاطف مع الشعب الكويتي الذي كان يستنجد بإخوانه العرب، وها هو اليوم يلحق بمن أيد ونصر، فالحمد لله الذي لا يظلم مثقال حبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله القوي العزيز مالك الملك الذي يمهل ولا يهمل.يقول أبو القاسم الشابي شاعر تونس الكبير:إذا الشَّعبُ يوماً أرادَ الحياةفلابدَّ أن يستجيبَ القدرْولابدَّ لليلِ أن يَنجلي ولابدَّ للقيدِ أن ينكسرْومَن لم يعانقْه شوقُ الحياةتبخَّر في جوِّها واندثرْإذا ما طمحتُ إلى غايةٍركبتُ المنى ونَسيت الحَذرْومَن لا يُحبَّ صعودَ الجباليعشْ أبَدَ الدَّهرِ بين الحُفَرْ