وليام... كيت... و«حدس»!
على الرغم من هامشية الموضوع في نظر كثيرين، فإن حفل زفاف الأمير الإنكليزي وليام إلى كيت ميدلتون، وهو الذي سمي بزواج القرن حسب موقع الـ»بي بي سي»، يستحق منا التوقف عنده ولو للحظات، خصوصا أن العالم أجمع من أقصاه إلى أقصاه، بنسبة مشاهدة تصل إلى المليار مشاهد بحسب تقديرات أعلنتها الحكومة البريطانية، كان قد توقف عنده وتابعه بدهشة واستمتاع صبيحة يوم الجمعة. وسأتوقف بدوري عند الأمر من ناحية واحدة لا أكثر، وإن كان في الحدث كثير مما يستحق الإشارة، ولا شك.
يجب ألا يمر الحدث دون أن نتبصر ونتفكر في هذا الاحتشاد العالمي لمشاهدة حفلة الزفاف هذه، وكيف أن كل قنوات الإعلام العالمية، وكثير، إن لم يكن أغلب، القنوات المحلية، قد جعلت منه خبرها الأول. هذه القدرة على حشد سكان الكرة الأرضية جميعاً نحو أمر مثل هذا، وراءه ما وراءه، سواء على الصعيد الفكري أو النفسي أو الاجتماعي أو غيرها، يستحق أن يدرس ويبحث في أسبابه. وأنا لا أزعم هنا بأني أمتلك حتى ولو طرف إجابة، بقدر اندهاشي بدهشة السؤال نفسه، خصوصاً حين رأيت والدي ووالدتي الكبيرين في السن، والبعيدين تماماً عن الاهتمام بهذا الأمر، يجلسان يتابعانه بشغف منقطع النظير!ما الخصوصية الفذة التي كانت في هذا الحدث، وما العوامل التي أدت إلى جعل كل هؤلاء البشر من بقاع الدنيا المختلفة يجلسون لمتابعته، في حين أن أغلب هؤلاء الناس والأمم لديهم من الأمور الأخرى، بل المصائب والكوارث ما يشغلهم؟ هل الأمر فضول محض؟ أم أن في المسألة بحثا عن الفرح في عالم لا ينفك يبث الحزن والغم طوال الوقت؟ أم أنها فقط القدرة الإعلامية الساحقة القادرة على استقطاب أنظار الناس نحو ما تريد متى ما هي أرادت بغض النظر عن الموضوع؟ أم أنها أسباب أخرى؟ أم أنه مزيج من هذه الأسباب جميعاً؟ الأمر يحتاج إلى وقفة وتبصر، ولا شك.***حفل الزفاف، وإضافة إلى تغطيته الواسعة على شبكات التلفزة في كل مكان، كانت له تغطية عظيمة أيضا على شبكة الإنترنت في الوقت نفسه، ليس من المواقع الرسمية فحسب، بل إضافة إلى ذلك وبشكل أكبر بكثير، وبشكل أكثر تلقائية، من الأفراد مستخدمي الشبكة من خلال مواقعهم الشخصية وحساباتهم الفردية على «الفيسبوك» و»تويتر». كانت الكتابات والتعليقات والمشاهدات تتوالى طوال الحدث، لحظة بلحظة، ومع كل حركة للعروسين ولأفراد العائلة المالكة وللناس من حولهم، وربما مع كل إيماءة وتعبير وجه كان يصدر من أي طرف. كان مستخدمو الشبكة العنكبوتية، يتفاعلون مع الحفل وكأنهم يحضرونه جميعاً في لندن. وفي زخم الأمر، أطلقت «الحركة الدستورية الإسلامية- حدس»، (ولغير الكويتيين أقول إنها حركة سياسية كويتية)، العبارة التالية من خلال حسابها في تويتر: «أثناء عرس الأمير نذكر أنفسنا أنهم رغم سعادتهم الظاهرة وترتيبهم الواضح، فإنهم افتقدوا الشيء الأهم للنجاح باختبار الدنيا وهو الإسلام»!وما هي إلا ثوان معدودة، حتى كانت العبارة تتردد في الآفاق، ويعيد إرسالها الآلاف من مستخدمي «تويتر» وعموم شبكة الإنترنت، بل تبثها بعض الخدمات الإخبارية على أنها تصريح رسمي صادر من «حدس»، فيبدأ الناس بالتعليق، ما بين تأييد وتوكيد، وما بين شجب واستنكار واستهزاء.محتوى العبارة لا يهمني كثيراً، كما أنني لست مهتماً بالحديث هنا عن مدى لياقتها السياسية وتناسبها مع هيئة ومقام «حدس»، لكنني توقفت كثيراً عندها من زاوية أخرى.هذا الحادثة الصغيرة كشفت بوضوح أن ما يبث اليوم عبر «تويتر»، لم يعد مادة هامشية، أو من قبيل الدردشات العابرة، بل أضحى مادة معتبرة ذات دلالات، وصار القائل أو كما نسميه في «تويتر»، «المغرد»، مسؤولا عما ينشره، وستتداوله وسائل الإعلام وستلزمه به بعدها. لهذا فقد غدا ضرورياً ألا يقدم أي طرف، وأعني هنا الأطراف ذات القيمة الاعتبارية كالشخصيات والجماعات السياسية والفكرية، وما شابه على وجه الخصوص، على فتح حساب في «تويتر» أو «فيسبوك» ومن ثم التعامل معه بسذاجة، بل عليه أن يكون جاداً في هذه الخطوة، وأن يسلم زمام إدارته لشخص، أو ربما أشخاص، راجحين يعرفون كيف يصرحون ويتصرفون مع هذه التقنيات المخادعة في كثير من الأحيان.في هذا السياق على سبيل المثال، أذكر بأن دونالد ترامب، المليونير والاقتصادي الأميركي الشهير، لا تُبث من خلال حسابه في «تويتر» أي مادة إلا بعد أن يقوم بمراجعتها شخصياً من ورقة مطبوعة، ومن ثم التوقيع عليها بخط يده ليعتمدها.إما أن تكون المسألة بهذه الجدية، وإلا فلا يأمنن أي طرف على نفسه من الوقوع في الأخطاء والمواقف السخيفة والمحرجة، كما صرنا نرى بشكل متكرر!