بعد ثورتي تونس ومصر أثبتت الشاشة التلفزيونية والبث المباشر عبرها قدرتها الهائلة على صنع الحدث، وتشكيل الرأي العام وصنع الثورات، بجانب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة عبر الإنترنت التي أعتبرها وسيلة ثانوية بعد البث التلفزيوني، فثورة تونس التي أشعلتها ولاية سيدي بوزيد، التي أحرق الشاب بوعزيزي نفسه فيها بسبب الأحوال الاقتصادية، ظلت محصورة في المنطقة حتى بدأت القنوات التلفزيونية الفرنسية والإيطالية الملتقطة والمنتشرة بشكل جيد في تونس بث صور مهربة لأحداث سيدي بوزيد، فانتشرت الثورة انتشار النار في الهشيم، واستجابت بقية المدن التونسية للثورة حتى أسقطت نظام بن علي، علماً أن التواصل عبر الإنترنت لم يكن متوافراً في تونس في حينها.
النقل الحي الذي تم عبر الشاشات التلفزيونية للثورة التونسية كان له أثر عظيم على مئات الملايين من شعوب المنطقة التي تابعته في ساعات الذروة للمشاهدة في يوم الجمعة الذي فر فيه بن علي من بلاده، فتشبعت الجماهير بالأسلوب الثوري التونسي الشعبي في الشوارع الذي انتصر على جحافل الأمن وعناصره المختلفة وكسر حاجز الخوف، هذا التشبع كان قد وصل إلى ذروته عند الشعب المصري الذي كان يكرر منذ عام 2004 محاولات خجولة ينظمها الشباب عبر الإنترنت والفيس بوك لإحداث التغيير ضد الفساد والتمديد والتوريث وتزاوج المال بالسلطة، ولم تحقق أهدافها إلا بعد أن رأى الشعب المصري ما فعله الشعب التونسي على شاشات التلفزيون وحاكاه بدءاً من 25 يناير الماضي.وفي مقابل التأثير الهائل للشاشات التلفزيونية للقنوات الإخبارية المستقلة وشبه المستقلة، كان السقوط المدوي لشاشات الإعلام الرسمي وبصفة خاصة التلفزيون المصري العريق، والأول من حيث التاريخ في المنطقة، فقد كان أداؤه بائساً ويصل إلى حد التخريب رغم محاولاته المتتالية للمناورة وتغيير خطابه ليصل إلى الجماهير المصرية العريضة دون جدوى، والمؤسف أن القنوات الفضائية المصرية الخاصة انحازت لمصالح أصحابها من رجال الأعمال الى جانب النظام، فسقطت كل المنظومة الإعلامية المصرية وتحولت الأغلبية من المصريين إلى الشاشات العربية والأجنبية، ولم يعد مجدياً كل ما تحاول إيصاله جميع وسائل البث المرئي المصرية الحكومية والخاصة من رسائل سياسية وجماهيرية لحل الأزمة المصرية.ما يحدث اليوم يثبت بشكل قاطع أن شاشات التلفزيون المستقلة والحرة أصبحت سلاحاً كبيراً أقوى من الجيوش وأجهزة الأمن، ولها قدرة على صنع الثورات وتشكيل الرأي العام، ولذلك فإن وسائل الإعلام الرسمية التقليدية لن تكون لها أية فائدة في زمن البث المفتوح والمباشر، والصرف عليها دون أن تعطى استقلالية تعطيها المصداقية هو إنفاق بلا جدوى وهدر للأموال العامة لن يفيد أحداً، لذا فإن من يريد أن ينفع نفسه ووطنه مطالب بسرعة التحرك لإصلاح الأجهزة الإعلامية الرسمية وتحويلها إلى مؤسسات مستقلة فاعلة بدلاً من أبواق تردد خطاب أحمد سعيد البائد.
مقالات
شاشات تسقط أنظمة
05-02-2011