أوجه الشبه بين الجريمتين

Ad

المحاكمتان تتشابهان في أن أو. جي. سمبسون لاعب الكرة السابق والممثل المعروف في التلفزيون الأميركي، قد اتهم بقتل زوجته نيكول وصديقها، وأن هشام طلعت، رجل الأعمال المعروف وعضو مجلس الشورى ورئيس إحدى لجانه، قد اتهم بتحريض محسن السكري على قتل زوجته أو صديقته سوزان تميم مقابل مليوني دولار.

وتتشابه المحاكمتان كذلك في أداة الجريمة فقد ذبح أو. جي. سمبسون زوجته بسكين، مثلما ذبح محسن السكري سوزان تميم بسكين.

محاكمة متعددة الجنسيات

إلا أن محاكمة هشام طلعت، تختلف عن محاكمة أو. جي. سمبسون في أنها محاكمة متعددة الجنسيات، فالقتيلة لبنانية الجنسية، والقاتلان مصريا الجنسية وأزواج القتيلة لبنانيان وعراقي الجنسية، ادعوا مدنيا ضد المتهمين مطالبين بتعويض كبير من المليارات التي يملكها المتهم الثاني الذي قيل إنه أحد أزواجها، والثلاثة يطالبون بتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابتهم بما يكفكف من شجنهم، ويخفف من حزنهم على القتيلة، التي لوثوا سمعتها بهذا الادعاء المدني، بما انطوت عليه ادعاءاتهم بأنها تجمع بين أربعة أزواج في وقت واحد، الثلاثة ورابعهم هشام طلعت على قتلها.

فالقانون الإماراتي يسري على الجريمة وعلى المتهمين فيها، باعتبارها ارتكبت على أرض الإمارات، والقانون المصري ينطبق على كل مصري يرتكب خارج مصر فعلا معاقبا عليه طبقا لأحكام القانون المصري، وطبقا لأحكام القانون الساري في المكان الذي ارتكب فيه الفعل، وذلك إذا عاد إلى مصر دون أن تكون المحكمة في موقع الجريمة قد برأته مما أسند إليه.

وقد أسفرت محاكمة المتهمين في جريمة قتل سوزان تميم في مصر أمام المحاكم المصرية عن حكم بإعدامهما، قبل أن تعاد محاكمتهما أمام دائرة أخرى بمحكمة الجنايات، تنفيذا لحكم محكمة النقض الذي نقض الحكم الأول.

ولم تسفر إعادة محاكمتهما أمام دائرة أخرى بمحكمة الجنايات إلا عن صدور حكم بمعاقبة المتهمين بقتل سوزان تميم، بحبس المتهم الأول محسن السكري بالسجن المؤبد، وبحبس المتهم الثاني، رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالسجن المشدد خمسة عشر عاما، ومصادرة السلاح المضبوط ومليوني دولار كانت في حوزة المتهم الأول، وكانت وقائع الاتهام تشير إلى أن هذا المبلغ هو الثمن الذي دفعه المتهم الثاني إلى المتهم الأول لقتل سوزان تميم.

أسئلة في حاجة إلى إجابة

وما يطرح عددا من الأسئلة هو لماذا عاد هشام طلعت إلى مصر ليحاكم أمام محاكمها، ومن الذي نصحه بذلك أو ضمن له ذلك؟ وهل تخلى عنه من نصحوه وقد وجدوا في قضاء مصر سدا منيعا غير قابل للاختراق، أم أنهم أرادوا أن يقدموه كبش فداء لتحسين صورة تزاوج السلطة بالمال، ولتبرئة النظام من تأثير المال عليه، خصوصا أن الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية قادمة، أم أنه كان يعتقد، أو كان من نصحه بذلك يعتقد أن حصانته البرلمانية وعضويته في مجلس الشورى ورئاسته لإحدى لجانه، وعضويته في لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، وأمواله الطائلة، سوف تجعله يفلت من العقاب في مصر؟

ولن تجعله يفلت من العقاب في الإمارات، بالرغم من أن قانون العقوبات الاتحادي الإماراتي رقم 3 لسنة 1987 المعدل بالقانون رقم 34 لسنة 2005 ينص في المادة 332 على أن تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى.

وقد تنازل والد سوزان تميم عن حقه في القصاص ضد هشام طلعت مقابل 750 مليون دولار، حصل عليها بعد صدور حكم الإعدام وقبل أن يصدر الحكم في المحاكمة الجديدة.

ونص القانون الإمارتي لا مقابل له في قانون العقوبات المصري الذي يقوم على الفصل التام بين الحق العام، وهو حق المجتمع في أن يقتص من المجرم، وبين حق المجني عليه أو حق ورثته في التعويض عن الضرر الذي لحق بهم.

محاكمتان على قنوات التلفزيون والصحافة

والمحاكمتان تتشابهان في أنهما كانتا مسلسلا إخباريا وتحليليا على شبكات التلفزيون بأسلوب المسلسلات المتعددة الأجزاء، والتي تعتمد على عنصر الإثارة والمفاجأة في كل حلقة من الحلقات، ففيها الجنس والخيانة والغدر والثروة والنجاح والشهرة.

محاكمة على صفحات الصحف وعلى القنوات الفضائية، تستمع إلى المحامين والشهود وأقارب المتهمين وأقارب القتيلة وأزواجها، والتي تبارى فيها المحللون والصحفيون والمذيعون، في استخلاص أدلة الإدانة والبراءة، قبل أن يقول القضاء كلمته فيها.

وقد خلقت هاتان المحاكمتان رأيا عاما مشبعا بالقلق والترقب لمفاجأة تلعب فيه السلطة أو يلعب فيه المال دورهما في اختراق صرح العدالة الشامخ، أو تلعب فيه العنصرية دورها في اختراق صفوف المحلفين في أميركا.

تداعيات على النظام القضائي في البلدين

وقد أظهرت المحاكمة في أميركا عيوبا في النظام القضائي، وفي أسلوب اختيار المحلفين الذين طرد منهم القاضي عددا كبيرا للكراهية التي كانوا يحملونها ضد المتهم بسبب ما نشر عن المحاكمتين.

الأمر الذي أدى في أميركا إلى توجيه الرئيس الأميركي كلينتون نداء لشعبه لتهدئته ومطالبته بالثقة بعدالة المحلفين حتى لا تقوم مشكلة عنصرية بين البيض والسود، وكنتيجة لذلك، قامت أكبر مسيرة بالولايات المتحدة الأميركية برئاسة لويس فرقان زعيم أمة الإسلام، وتوجهت إلى واشنطن لإظهار قوة السود.

كما أدت التعليقات على الحكم الصادر في المحاكمة الجديدة لهشام طلعت والاستفتاء الذي أجرته القنوات الفضائية بين عامة الناس، بسؤالهم حول الحكم، وحول تقدير العقوبة، وانتقاد بعض العامة لها، متأثرين بالحكم السابق الصادر بإعدام المتهمين، واعتبارهم أن عقوبة الإعدام هي وحدها التي يستحقها المتهمان، إلى صدور قرار من المجلس الأعلى للقضاء يقضي بحظر النشر كما أدى في مصر إلى صدور قرار المجلس الأعلى للقضاء "في سبيل دعمه لاستقلال القضاء وكفالة مقومات موضوعية قرر المجلس بالإجماع عدم السماح بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أي وسيلة من وسائل الإعلام أو قيامها بتفسير هذه الوقائع أو هيئات المحاكم أو الدفاع أو الشهود أو المتهمين أثناء إجراءات تلك المحاكمات" وطالب المجلس "بضرورة تجنب التناول الإعلامي بأي طريقة من طرق العلانية للدعاوى في كل مراحل التحقيق والمحاكمة على نحو يتضمن الإخلال بهيبة أو مقام أي من القضاة أو رجال النيابة العامة وإبداء ما من شأنه التأثير فيهم أو التأثير في الشهود أو الرأي العام لمصلحة طرف في المحاكمة أو التحقيق أو ضده".

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية