ازدادت في الآونة الأخيرة خطابات الكراهية والبغض الاجتماعي والعنصرية وازدراء فئات محددة من المجتمع، وهي خطابات مضرة تؤدي إلى تشظي المجتمع وانقسامه، إذ لا علاقة لها إطلاقا بحرية التعبير وإبداء الرأي، أضف إلى ذلك أنها أصبحت، مع الأسف الشديد، مادة غنية يروّج لها البعض من محدودي الثقافة والفكر وأصحاب المصالح النفعية الخاصة في مجالسهم الخاصة، وتسوقها بعض المقالات الصحفية السطحية والأعمال المسرحية الهابطة، كما أنها غدت سلعة مربحة تتلقفها بعض القنوات الفضائية التي تبحث عن الإثارة الرخيصة والربح السريع، حتى لو كان ذلك على حساب تماسك المجتمع وترابطه.

Ad

المحزن هنا أن قيماً إنسانية راقية مثل التسامح والتعددية والمحبة وقبول الآخر المختلف واحترامه وسيادة القانون والمواطنة الدستورية التي تعتبر أساس الانتماء والولاء الوطني قد تراجعت بشكل كبير في مجتمعنا لمصلحة قيم بالية ومتخلفة وغير إنسانية تدعو إلى البغض الاجتماعي والكراهية والعنصرية، وهو ما يعتبر مؤشراً ذا دلالة على تخلف المجتمع وهشاشته.

على أننا لو تعمقنا أكثر لوجدنا أن ذلك كله عبارة عن مظاهر أو مؤشرات تدل على ضعف بناء دولة المؤسسات الدستورية الديمقراطية، وهو ما أدى إلى تراجع المجتمع وتخلفه، وقد بدأ ضعف البناء المؤسسي للدولة الدستورية منذ التعطيل الأول للدستور في عام 1976 أي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهي الفترة نفسها التي شهدت بداية تذبذب وعدم استقرار تطورنا الدستوري الديمقراطي وبداية تحالف الحكومة سياسياً مع القوى السياسية الدينية المستمر حتى اللحظة ("الإخوان" و"السلف" حتى وقت قريب جداً ثم القوى الدينية الشيعية حالياً).

لذلك، ونتيجة لكل ما سبق، فإنه لم يكن مفاجئاً لنا ما تعرضت له قناة "سكوب" الفضائية من اعتداء بالأيدي من قبل بعض المواطنين الذين ساءهم وأغضبهم ما بثته القناة من برامج، وهو الأمر الذي لا يمكن وصفه إلا أنه تعدٍ من قبل هؤلاء المواطنين على هيبة القانون وتجاوز على مؤسسات الدولة وسلطاتها، إذ كان الأحرى بمن يعتقد أنه تضرر مما تبثه هذه القناة أو غيرها من وسائل الإعلام من برامج اللجوء مباشرة إلى القضاء بدلاً من الانتقام الشخصي سواء بالتعدي اللفظي أو الجسدي باستخدام الأيدي والعصي والسلاح والآلات الحادة، لأن ذلك يعتبر عدم اعتراف بسلطات الدولة وعدم احترام لسيادة القانون.

نقول هذا مع تحفظنا المبدئي ومعارضتنا الشديدة أيضا لخطابات الكراهية والعنصرية والبغض الاجتماعي التي انتشرت في الآونة الاخيرة، ووقفت منها الحكومة موقف المتفرج؛ مما شجع من يتبناها على التمادي في ترويجها، ومن ضمنهم بعض الكتاب الصحفيين، وبعض القنوات الفضائية المحلية التي لا نبرئها إطلاقا من المساهمة في بث خطابات الكراهية والترويج لها وتأجيج النزعات العنصرية، وهو ما يعتبر  مخالفة صريحة لقانون المرئي والمسموع الذي ينص في البند (11) من المادة (11) على حظر "الدعوة أو الحض على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع".