أخلاقنا... وأخلاقهم!

نشر في 10-12-2010
آخر تحديث 10-12-2010 | 00:01
 حمد نايف العنزي لدى كثير من العرب والمسلمين، ممن لم يسافروا خارج حدود العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص، فكرة خاطئة عن باقي مجتمعات العالم، تتمحور هذه الفكرة حول فساد هذه المجتمعات الكبير وأنها في طريقها إلى الزوال للانهيار الأخلاقي الذي تعيشه، ولذلك، ما إن تتاح لأحدهم فرصة السفر والاختلاط بأفراد هذه المجتمعات حتى يصاب بالصدمة حين يكتشف أنهم أكثر صدقا وخلقا وإنسانية من بني جلدته، بل إنه ليعجب أشد العجب وهو يرى نماذج لسلوكيات بشرية انقرضت من مجتمعه، ولم يعد يسمع عنها سوى في سير الأولياء والصالحين، فيما يجدها هناك عند البواب والبقال وسائق التاكسي والعامل البسيط!

يحدثني صديق عن زميل جديد له في العمل ملتزم دينيا، كان قد حدثه قبل أيام عن رحلته الأخيرة إلى اليابان وكيف أنه ذهل من أخلاقيات هذا الشعب الراقية، وأنه لم يتصور أبدا أن الإبداع العلمي يصاحبه سمو أخلاقي ورقي إنساني يتمتع به الفرد الياباني، وقد دلل على ذلك بعدة حوادث حصلت معه منها أنه قد استقل سيارة أجرة وأعطى السائق العنوان، فتوجه إليه، وعند الوصول اكتشف أنه قد ذهب إلى العنوان الخطأ، فعاد مرة أخرى إلى نقطة البداية ليفتح العداد من جديد، وتصور صاحبنا أن سائق التاكسي سيقوم بإضافة مبلغ المشوار الأخير إلى الأول ليحمله تكلفة المشوارين كما يفعل أصحاب التكاسي العرب والمسلمون، وهيأ نفسه لدفع المبلغ كاملا، ليفاجأ بالسائق الياباني يرفض بشدة استلام مبلغ المشوار الأول، ويصر على تحمله لأن الخطأ خطؤه، رغم أن المبلغ يتجاوز الخمسين دينارا كويتيا، وهو أمر من الصعب إن لم يكن من المستحيل حدوثه في بلد عربي أو مسلم!

قبل أيام، وصلني عبر البريد الإلكتروني رسالة وجدت أنها منشورة في عدد من المنتديات والمواقع عنوانها "شكرا بريطانيا"، وقد زعموا أن كاتبها طالب عربي مسلم مبتعث للدراسة في بريطانيا، تقول الرسالة "بعد التصرف والاختصار":

(شكرا بريطانيا: لأن قيمة الإنسان الذي يعيش على أرضك يجعل فرق الإسعاف والمطافي والشرطة تمشط الشوارع بسرعة البرق وسط احترام الجميع، فتجد السيارات تصطف اصطفافا على الأرصفة وتستجيب في الحال لتمر تلك الفرقة أو تلك، أما الإبلاغ عن عنوان الحادث فلا يتعدى الثواني، ولا يتطلب منك سوى ذكر رقم المنزل والشارع وأن تترك الباقي لهم!

شكرا بريطانيا: لأني هنا تمتعت بشعور الإنسان الحقيقي، لا أحمل معي سوى وجعي كلما زرت المركز الصحي، فهم لا يتصرفون معي بحسب ديني أو جنسيتي أو مذهبي أو لوني أو منزلة كفيلي الاجتماعية، لأن ما يهمهم هو أهم من هذا كله، وهو أنني إنسان... إنسان فقط!

شكرا بريطانيا: لأنني أعيش هنا منذ 3 سنوات، لم يوقفني خلالها عسكري، ولم يترصد بي رجل مرور، ولم يجرح شعوري مسؤول!

شكرا بريطانيا: لأني كل يوم وكل ساعة وكل لحظة أسمع كلمة تفضل، لو سمحت، آسف، هل من الممكن؟!

شكرا بريطانيا: لأن أسعار منتجات الأطفال رخيصة مقارنة بالمنتجات الأخرى، وهي تحت رقابة شديدة في مكوناتها، لأنه طفل وحساس فحليب الأطفال لا يوجد  فيه نسبة السكريات التي توجد في نوع آخر كنت أشربه وأنا صغير!

شكرا بريطانيا: على الجار العزيز ذي الأخلاق الرائعة، والذي يأخذ البريد من باب العمارة ليضعه أمام باب شقتي يومياً، بل يعرض عليّ أن أترك أطفالي برعايته كلما أردت أن أتعشى أنا وزوجتي في الخارج!

شكرا بريطانيا: على البرفيسورة ذات التعامل والانضباط العالي، فهي تذكرني بموعد اجتماعنا، وتلخص لي محاور الاجتماع وتطبع لي الورقة وتضعها في بريدي، شكرا لعامل الكلية الذي يسمعني كلمة تفضل سيدي كل يوم، شكرا لمسؤولة المكتبة لأنها تترك ما في يدها لتبحث معي عما أريد عن طيب خاطر، بل تتاسف عن تأخرها، شكرا لأنني شاهدت في هذا البلد ما يوصيني به ديني وكتب الله لي أن أتعلمه هنا، لا من خلال بطون الكتب، ولا من خلال الدورات الشرعية أو الجلسات العلمية ولا من خلال برامج التلفزيون، بل واقع يفرضه الجميع بداية من مدرس الروضة، لسائق الباص وعامل الشارع... حتى رئيس الوزراء!).

هذه هي الرسالة مختصرة، وسواء كانت حقيقية أم مختلقة، فقد عبرت عن واقع أليم يتمثل في مقدار الامتنان والشكر، والعجب قبل ذلك، من رقي السلوك والتعامل الإنساني للإنسان مهما كان أصله وفصله ولونه وجنسه في البلدان غير المسلمة، فيما يتم التعامل على أسس الأصل والفصل والمنزلة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات العربية والمسلمة، وهو أمر يناقض كل ما يوصي به الإسلام أتباعه من أن "الدين المعاملة" وأن الرسول أتى "ليتمم مكارم الأخلاق" وأن "أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً"... فأين نحن من هذه الوصايا؟ ولمَ اختزلنا الدين العظيم في الشكليات والقشور ونسينا أن غاية الدين قبل كل شيء هي تعامل الناس وحبهم واحترامهم لبعضهم بعضا؟!

back to top