في الأسبوع الماضي تناولنا بداية الفوضى في إقرار الكوادر، التي باتت تحكمها الضغوط والإضرابات وليست الدراسات أو مدى حاجة جهة ما إلى زيادة، وقلنا أيضا إن المسألة باتت مسألة تحدٍّ بين التخصصات، وكلٌّ يستخدم كل ما أمكنه من أسلحة للانتصار في هذه الحرب، والخاسر الأوحد هو المال العام الذي يستمر استنزافه لزيادات تذهب في النهاية إلى جيوب التجار بسبب التضخم الذي يصاحبها.
الآن عدنا إلى نقطة الصفر، فأساتذة الجامعة الذين بدؤوا بمسلسل الزيادات حتى يكون هناك فارق يميزهم عن بقية الوظائف وجدوا أن ذلك الفارق قد تلاشى مع فوضى الكوادر والزيادات التي تلت زيادتهم، وإذا استمر تعامل الحكومة والمجلس مع هذا الملف بنفس المنوال، فسيطالب أساتذة الجامعة بزيادة جديدة ليعود الفارق كما هو، وبالتالي تبدأ موجة جديدة من مطالبات الجهات الأخرى.لذلك، بات على الحكومة ممثلة في ديوان الخدمة المدنية أن تشرب «حليب سباع» وتشرع في دراسة جادة وعامة لسوق العمل في الكويت بعيدا عن تأثير الضغوط والإضرابات، ويتم فيها تحديد الفوارق بين التخصصات والعلاوات الإضافية التي يتميز بها أصحاب التخصص الواحد، كلٌّ بحسب الجهة التي يعمل بها وطبيعة عملها، كما يتم ضم المؤسسات الخارجة عن مظلة ديوان الخدمة– كمؤسسة البترول مثلا- حتى لا يتم اختلال الميزان بين رواتب العاملين فيها ورواتب نظرائهم في الحكومة.وحتى تكون الدراسة موضوعية وغير قابلة لتأثير الأهواء، يجب وضع معايير لتحديد الفروقات بين التخصصات، وفي اعتقادي أن أهم معيار هو مدى توظيف الكويتيين في تخصص أو جهة معينة، فتخصص كوادر أكبر للجهات التي لا يعمل فيها المواطنون حتى يتشجعوا على العمل فيها وبذلك يقل الاعتماد على الأجانب، ولعل التخصصات الفنية (من حملة الدبلوم) هي من أهم التخصصات التي يجب زيادة كوادرها حتى يتشجع المواطنون من خريجي المعاهد التطبيقية والتدريبية على العمل الفني الذي تدربوا عليه بدلاً من تخرجهم وعملهم في وظائف إشرافية، أو لجوئهم إلى تكملة الدراسة في جامعات «ميكي ماوس» في الفلبين وغيرها طمعاً في الكوادر الشهية لخريجي الجامعات التي أقرت في زمن الفوضى الخلاقة!مهنة التدريس مثال آخر، فهل من المعقول أن يتميز أساتذة الرياضيات والفيزياء مثلا بخمسين دينارا فقط عن مدرسي التربية البدنية؟! فيجب زيادة هذه الميزة إلى حد جاذب يشجع المواطنين على الانخراط بمهنة التدريس بهذه التخصصات، فإذا كان الوافدون يشكلون 80% من مدرسي الرياضيات مثلا، يكون الكادر 400 دينار، وإذا كانت نسبة الوافدين 60% يكون الكادر 300 دينار، وهكذا اعتمادا على حسبة رياضية واضحة غير قابلة لتدخل الأهواء، وتتم مراجعتها دوريا كل خمس سنوات مثلا حتى يتم تعديلها بحسب نسبة الكويتيين في كل تخصص وفي كل جهة.وبعد أن ينتهي ديوان الخدمة المدنية من هذه الدراسة يتم تعديل جميع الرواتب الحالية حسب الهيكل الجديد، بحيث تتم زيادة الجميع بنفس النسبة في حال أي زيادة مستقبلية، ويتم إيقاف أي زيادة إلى خمس سنوات على الأقل بينما تتم زيادة دعم العمالة للعاملين في القطاع الخاص سنويا بنسبة معينة جاذبة؛ حتى تشجع المواطنين على الانخراط في القطاع الخاص وتقليل البطالة المقنعة في القطاع العام. إن مباشرة العمل في مثل هذه الدراسة تعد أولوية قصوى حتى يفهم الناس سوق العمل بشكل واضح، وحتى ننتهي من مسلسل الزيادات المكسيكي الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار للأجيال القادمة عبر الاستنزاف الأناني وغير المبرر من قبل الجيل الحالي للمال العام، وما لم يترك بعض النواب المزايدات وتوقف الحكومة انصياعها المستمر لهذه المزايدات فإن البلد يتجه إلى أزمة مالية خافية عن الكثيرين في ظل تعاطيهم لإبر البترول المخدرة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
حل جذري لمسلسل الكوادر المكسيكي
17-03-2011