مَنْ منا لا يعرف القس الأميركي "تيري جونز"؟ أظن أن الجميع يعرفه، إذ إنه القس الأميركي الذي هدد بحرق نسخ من القرآن الكريم في سبتمبر الفائت تعبيرا عن كرهه الشديد وبغضه للمسلمين، ما أثار ضجة وصخبا إعلاميين كبيرين في وسائل الإعلام كافة من جهة، وغضبا عارما ليس في صفوف المسلمين في العالم قاطبة فحسب، بل أيضا في صفوف دعاة المجتمع المدني ومناهظي التطرف في الدول كافة من الجهة الأخرى.

Ad

حسناً... المتطرف داعية الكراهية ضد المسلمين "تيري جونز" يرغب في زيارة بريطانيا الدولة الديمقراطية العريقة التي تكفل قوانينها حرية الرأي والتعبير، وتحترم حكومتها الحريات العامة والفردية وتصونها فعلا لا قولا فقط، لكن الحكومة البريطانية تصدر قراراً في بداية هذا الشهر تمنعه بموجبه من دخول أراضيها... لماذا؟ لأن "تيري جونز" ينشر خطاب الكراهية والبغضاء والحقد، ويثير الفتنة ضد المسلمين مثله مثل عضو البرلمان الهولندي "جيرت فيلدر" الذي رفضت بريطانيا من قبل زيارته لها. فهل يا ترى ما تفعله بريطانيا هو قمع أم تضييق على حرية الرأي والتعبير؟ بالطبع لاهذا ولا ذاك، لأن هناك فرقا شاسعا بين حرية الرأي والتعبير التي تعتبر مبدأ مقدسا في الدول الديمقراطية والدعوة للكراهية والحقد الاجتماعي التي تجرمها قوانين تلك الدول.

من هنا، وكما ذكرنا مرارا وتكرارا في هذه الزاوية، فإن الخطاب الإعلامي الذي روج ويروج له السيد جويهل وصحبه ومن يرعاهم من صحف وقنوات فضائية وأصحاب نفوذ ليس حرية رأي وتعبير، بل هو خطاب كراهية Hate Speech يدعو إلى الفرقة والتشتت والتنافر الاجتماعي، إذ إنه خطاب يتضمن سباً وقذفا علنياً وتشكيكاً مباشراً في الولاء الوطني لفئة اجتماعية أخرى على أساس عرقي وسياسي، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع مبدأ التسامح في النظام الديمقراطي ومع نصوص صريحة في الدستور.

 لذلك فإنه من غير الجائز دستوريا وقانونيا أن تسمح الحكومة باستمرار الخطاب العنصري المتطرف الداعي للكراهية الذي تبثه القنوات الفضائية تحت ذريعة القصور في التشريعات الحالية، إذ إن القانون الحالي للإعلام المرئي والمسموع ينص في البند (11) من المادة (11) على حظر "الدعوة أو الحض على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع"، بل إن الأدهي والأمرّ من ذلك هو أن تكون ردة فعل الحكومة على حادثة الخالدية المدانة، التي كثرت الأحاديث حول ملابساتها وظروفها ودوافعها، مبالغا فيها وهو ما قد يعطي، أو أنه قد أعطى بالفعل، رسالة سياسية معينة في هذه الظروف غير الصحية لاسيما أن أحد أطرافها الرئيسة هو داعية الكراهية الشهير محمد الجويهل. كما أنه من المعيب حقا أن يدافع بعض الكتاب، خصوصا من يدعون الوطنية والليبرالية، عن خطابات الكراهية والعنصرية التي يروج لها السيد الجويهل وصحبه ومن يرعاهم، أو أن يعتبروا ما يقوله العنصريون في القنوات الفضائية أو يكتبوه في الصحف من عبارات وألفاظ وأحاديث عنصرية فجة، مجرد تعبير حر عن الرأي يجب أن ندافع عنه مهما اختلفنا معه.

 كما أنه من المعيب أيضا أنه في الوقت الذي يدين فيه هؤلاء الكتاب حادثة الخالدية، وهي لا شك مدانة، فإنهم يصمتون صمت القبور تجاه ما حصل للزميل د. عبيد الوسمي من ضرب عنيف وسحل وإهانة، بل إن بعضهم لا يخفي تأييده لما حصل للزميل د. عبيد، مع أن الفرق بين الحالتين واضح وضوح الشمس في رابعة النهار!

قصارى القول أننا مطالبون جميعا وبالذات الحكومة برفض خطابات الكراهية والحقد والبغض الاجتماعي بأشكالها كافة رفضا قاطعا، وإدانتها إدانة واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا تردد؛ لأن الكراهية لا تبني وطننا، بل إنها تدمر المجتمع، كما أننا مطالبون جميعا، وعلى وجه الخصوص الحكومة، بحماية الحريات العامة والفردية التي كفلها الدستور والعمل بمبدأ المواطنة الدستورية كأساس للوحدة الوطنية، إن كنا فعلا ننشد بناء وطن دستوري مدني ديمقراطي متسامح يتسع للجميع.