لا ترقصوا على جسد البلد... فدواوين الاثنين ورموزها لن يعودا في أوضاعنا الحالية، لأن القضية مختلفة والظروف والرجال مختلفون، فلا تحاولوا أن تختلقوا بطولات من العدم، فالشارع منقسم والتحرك فيه ذو صبغة واحدة مقيتة مناطقية، وأحياناً يتلبسها ائتلافات عرقية مفزعة وطرح طائفي نتن، وغالبية من يحاولون أن يكونوا رمزاً لتحريك الشارع منغمسون في صراعات أطراف السلطة ومنافعها من امتيازات ومشاريع، أو محسوبون على طرف فيها.

Ad

لا ترقصوا على جسد البلد... لأنكم لن تجدوا جمهور دواوين الاثنين العريض الممثل لكل أطياف المجتمع، وستكون غالبية حشودكم غوغائية دون رسالة واضحة، ولن تقنعوا الشارع الكويتي بأن معركتكم من أجل حماية الدستور وبصفة خاصة وانتقائية المادتين 108 و110 منه، وبقية مواده منتهكة من معظم نواب «إلا الدستور».

لا ترقصوا على جسد البلد... لأن الناس يعرفون أن لكل منكم هدفاً مختلفاً ورسالة بمضمون خاص يريد أن يرسلها إلى السلطة (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)، فهناك الجريح من ملف الرياضة، والخاسر لمواقعه ونفوذه في المجلس والحكومة، واللاعب على أجنحة الأطراف المتنافسة على النفوذ وكعكة الـ37 مليار دينار التنمية، والباحث عن مجد سياسي غابر.

لا ترقصوا على جسد البلد... لأنكم لن تقنعونا بأن النائب محمد هايف سيكون رمز ندوات حماية الدستور وزميله د. وليد الطبطبائي هو المناضل من أجل الدفاع عن الحريات...! وأن الدعوة المقبلة في ديوان النائب الحربش ستكون لنقد وعرض أفكار المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد برعاية جمعية الإصلاح الاجتماعي...! ومن سيصدق ويقتنع بكل هذا أو جزء منه فهو بلا شك واهم أو مغفل!

لا ترقصوا على جسد البلد... فإذا انتصرت قوى الردة والظلام بفضل تحالفكم الظرفي معها، فإن سجننا الكبير ستضيق علينا أكثر أسواره، وسيمتلئ بسيل قوانين «المايوهات» والضوابط وهيئاتها الشرعية التي ستنفذها الحكومات التي سيهيمنون عليها... ولكم أسوة في نتائج تحالفات معارك المال العام ومراسيم فترة الحل في التسعينيات، وما نتج عنها من قوانين منع الاختلاط في العام والخاص وخلافها.

لا ترقصوا على جسد البلد... لأن موت طفل أو إعاقته بسبب أطنان حليب الأطفال والأغذية الفاسدة المضبوطة كان أحرى بانتفاضتكم ولو في نصف جلسة تعقدونها لقمع مجرمي تجارة السحت، عبر تشديد عقوبات قانون حماية المستهلك الذي يصرخ موظفو الرقابة البلدية مطالبين منذ أسابيع بإقراره على وجه السرعة... وهو الفعل المستعجل الملح للبلد، والأولى من معركة رفع الحصانة وتداعياتها وعناد أبطالها وتحديهم للسلطة، لأن أهم وظائف الدستور هو حماية وخدمة الفرد الذي يشكل عماد البلد.

لا ترقصوا... لا ترقصوا... لا ترقصوا... فقد أنهكتم جسد البلد بدقات كعوبكم العبثية عليه في حفلة الزار الأبدية التي تديرونها منذ سنوات طويلة دون راحة لكم أو استراحة للبلد.

- لابد أن أشير إلى أن وصف حفلة الزار لحالة التوتر والصراعات المستمرة في الكويت كان يستخدمه المرحوم د. أحمد الربعي في مقالاته، وقد استعرته في مقالي هذا.