قبل موجة الثورات العربية، ومع اشتداد فاعلية النظام الديمقراطي في الكويت، ظهرت مجموعة في حياتنا لا تؤمن بالديمقراطية كنظام للحكم، وبالأخص في مجتمع تعددي كالكويت، وحاولت هذه المجموعة الدخول في النظام، لتغييره إلى ما تعتقد أنه نظام صالح، ارتكازاً على إيصال أتباعهم إلى المراكز الحساسة وعلى سلب أكبر قدر من حريات الناس، ولكنهم اصطدموا بدستور ضمن الحريات ومنع تقييدها، إضافة إلى ملاحظة الجميع بمن فيهم الحكومة، سعيهم إلى السيطرة على المناصب التنفيذية العليا في البلد.

فما كان منهم إلا تغيير خطة اللعب، إلى الزيادة المفرطة بالحريات الحساسة لافتعال الأزمات، مع وضع رقابة مشددة على الحريات الشخصية، والعامة ليكونوا هم الأوصياء على الشعب وأفكاره، وبما أن المجلس لن يساعد على ذلك، أدخلوا عنصرا جديدا للعب وهو «الشارع»، فجيشوا قسماً من الشعب يمتاز بتقديس اللحى والسيقان العارية، وتعطيل العقول الخاوية أصلاً، وموت كل القيم الإنسانية، وازدواجية المبادئ وفق الطائفة، للسير في خطة تمزق النسيج الاجتماعي التعددي، وخلطوا بين المطالب بالديمقراطية والحرية وبين الانتقائية والتكفير والطائفية.

Ad

وبطريقة أو بأخرى صعدوا على متن المطالبين الحقيقيين بالحريات ممتطين صهوة الدستور، فطعنوا بإرادة الأمة عبر المجلس ووصم من يخالفهم فيه بالتخاذل والانبطاح والقبض والعمالة للحكومة... إلخ!

وتناسوا أنهم في زمن تقسيم النواب إلى نائب مواقف ونائب مصالح «حكومي»، فكانوا أنفسهم نواب مصالح، واستعملوا سياسة تهييج الشارع وتقسيمه، ووسم أتباعهم بالأحرار الوطنين، ومن يخالفهم بالعنصرية أو الطائفية، ليستطيعوا البقاء في مناصبهم على حساب استقرار الوطن.

إن الحالة التي نشهدها غريبة مريبة، فهل يعقل أن من لا يؤمن بالديمقراطية كنظام صالح للحكم، يؤمن بتداول السلطة والوصول إلى رئيس وزراء شعبي؟ ومن يحرّم نصح «ولي الأمر» بالعلن، يشهر به وينازعه في قراراته متحدياً، فلو خرجت بعض هذه التصرفات والآراء من غيرهم ستكون معقولة ومنطقية، أما منهم فهي تنبئ بأن المراد شيء آخر تماماً، ولا أعتقد أن الهدف يعدو في هذه المرحلة إثبات فشل النظام الديمقراطي، سواء كانت تحركاتهم منطلقة من عقيدة أو بتحريض خارجي.

فأصبحنا الآن في أكثر المواقف المحيرة والمضحكة في تاريخ الديمقراطيات الحديثة، فإن من سلب اسم الشعب يسعى إلى تقويض الديمقراطية، والسلطة الوراثية هي من تعلن دفاعها عن الديمقراطية وعدم نيتها حل المجلس أو تعليق الدستور، وعلى خلاف كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج التي تتمنى أن تصل إلى نظام الحكم في الكويت، يحتمل أن تخرج عندنا ثورة شعارها، «الشعب الكويتي يريد إسقاط النظام الديمقراطي»!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة